رواية جدار قارون

 رواية جدار قارون  للكاتبة حنان حنفي 



قراءة نقدية بقلم/ مي حسام أبو صير 

الحجم من القطع المتوسط

التصنيف رواية اجتماعي 

عدد الصفحات ١٦٦

صادرة عن دار ديوان العرب للنشر والتوزيع 


نلجأ كثيراً للروايات وخاصة الاجتماعية لنعيش حياة غير التي نحياها، نخرج من حدود مجتمعنا الضيق، نتعايش مع شخصيات جديدة داخلها، نكتسب من خبراتهم ونتعلم من تجاربهم؛ فنقرر عدم الوقوع في أخطائهم، نبحث عن كتاب مناسب لحالتنا النفسية يكسبنا الهدوء، ربما عن طريقه نستطيع الوصول لأبعد من حدودنا المتاحة. 

والآن نحن أمام إحدى تلك الروايات التي تبث في النفس الراحة، فتجد نفسك انتقلت لثمانينيات القرن الماضي، بعيداً عن تكنولوجيا العصر التي التصقت بأيدي الجميع وتسللت إلى الأعماق لتصبح إدماناً صعب التخلي عنه، تنقلنا الكاتبة بسلاسة إلى تلك القرية البعيدة عن الأعين، يخفيها أهلها بعناية خوفاً من كشف أسرارها والطمع في كنوزها، ولكن سأترككم تحتارون مثلي هل يمكننا تصنيف هذا العمل كإحدى روايات الفانتازيا والخيال، أم هي رواية اجتماعية في عصر ولى ومضى؟!

أولاً الغلاف: 

غلاف يسوده اللون البني بدرجاته، لون حقيقي يعطي إحساس بالطبيعة والأصالة؛ فننتقل سريعاً لما يوحي له العنوان الذي يندمج داخل الغلاف وألوانه بمزج رائع، ورغم صلابة الجدار وصلادة المشهد إلا أن الغلاف يعطي شعوراً بالراحة النفسية والهدوء بمجرد تأمله، ربما أحد الأسباب وجود ظل تلك التي تتأمل المشهد من بعيد ينشغل عقلها بأحدهم؛ فنتعجل الدخول في أحداث الرواية لنتعرف على تلك البطلة وحكايتها مع هذا الجدار الذي جسده الغلاف وأخبرنا عنه العنوان؛ فكل التحية للمصممة.


ثانيا العنوان: 

جاء معبر عن الرواية حيث تلك القرية التي يحيطها هذا الجدار الكبير، يخفيها عن أعين الطامعين، يمنع أهلها من التواصل مع العالم الخارجي، ثبوته كثبوت جملته دائم لا يمكن لأحد عبوره أو تخطيه؛ فداخل حدوده من الخيرات والنعم ما لا يستوعبه عقل أو يتخيله إنساناً، ولكن هل حقاً لا يوجد ما يمكن أن يحتاجه أهل القرية خارج جدارها؟

ثالثاً المتن: 

استطاعت الكاتبة على مدار فصول الرواية الاثنى عشر الحفاظ على تماسك ووحدة الانطباع، حيث تسربت الفكرة بهدوء مع تيار الأحداث وتتابعها، ورغم أن البداية كانت مباشرة دون مقدمات دخلت في خضم الأحداث وكأن القارئ يعرف من هي تلك الفتاة "دانية" التي جاءتها فرصة عمل لا يحلم بها من في مثل عمرها، إلا أن الكاتبة بخبرة واضحة لم تصرح للقارئ بسهولة عن ماهية تلك القرية الغريبة التي ستنتقل لها البطلة؛ بل جعلته يلتهم السطور بفضول لتعطيه الأسرار قطرة قطرة حتى يصل للنهاية.

اعتمدت الكاتبة في حبكتها على الواقعية السريالية حيث وجود أحداث غرائبية أو سحرية غير منطقية، وفي نفس الوقت تؤكد على أن العالم الموجود في الرواية عالم حقيقي واقعي كأي قرية من قرى مصر المعروفة، ورغم وجود حدث غير منطقي يتعاطى  شخصيات العمل معه بطبيعية مفرطة، ربما ذلك ما دعاني للتساؤل عن نوع الرواية رغم بعدها عن فانتازيا اللا منطق والخيال إلى حد كبير، ولكننا نستطيع التغاضي عن ذلك باعتباره أسلوباً اتبعه الكثير من الأدباء حيث طبقوا نظرية الواقعية السحرية بالجمع بين الواقع والخيال للجموح بأفكارهم دون تقييد بقوانين المنطق والطبيعة؛ أما عن روايتنا فقد تعامل أبطال العمل بطبيعية شديدة مع وجود دواء يصيب بفقدان ذاكرة لأشياء بعينها دون أخرى كالحبيب مثلاً! 


السرد والحوار 

عن طريق الراوي العليم سردت الكاتبة روايتها بأسلوب سلس دون أي تعقيدات لغوية، مفردات تتسم بالحيوية والبساطة، طغى الحوار على السرد في كثير من المشاهد رغم محاولات الكاتبة تلافي ذلك، إلا أن الحوار جاء بفصحى سليمة جعلت هناك انسجام ملحوظ بين السرد والحوار دون الشعور بأي خلل، ولكني أرى أن لغة الحوار كانت تحتاج لبعض التكثيف وخاصة في بعض اللزمات اللغوية التي حافظت عليها الكاتبة بتكرار مع معظم الأبطال.

خلت الرواية من الإسهاب رغم بعض الإطناب الذي يمكن تجاوزه مما لا يضعف العمل الروائي، وكذلك وجود محاولات بلاغية لا يمكن إنكارها رغم قلتها أضفت متعة في القراءة والتصور المشهدي الحركي. 


الشخصيات

أبطال رئيسين ترتكز عليهم الكاتبة في روايتها بإتقان واحتراف رغم تجنب الجانب النفسي وأبعاده إلى حد كبير، ولكن جاء ذلك متناسباً مع نوعية الرواية وتفاصيل الحبكة والصراع.

استخدمت الكاتبة نفس المفردات والأسلوب اللغوي لكل أصوات الشخصيات دون التميز بين المستوى الثقافي والاجتماعي.

جاءت الشخصيات مركبة بنزعات مناسبة لطبيعة النفس البشرية من خير وشر، أنانية وإيثار، طمع وقناعة، وقد نجحت الكاتبة في إلقاء الضوء ببراعة على ذلك الجانب الذي ارتكزت عليه في روايتها؛ فكانت هي الثيمة الأساسية التي شكلت فضاء العمل؛ فالارتقاء بالقيم النبيلة قدم بهدوء دون أن يشعر القارئ بالعظة والموعظة المباشرة التي تفقد العمل الروائي الكثير من المتعة؛ فكان لصالح الكاتبة التي استحقت التحية بجدارة. 


الزمكان 

تناسبت لغة الحديث وطبيعة المكان والحقبة الزمنية التي اختارتها الكاتبة لروايتها، فظهر ذلك في اختيارها لبعض الألفاظ الدارجة في فترة الثمانينيات وكذلك عدم وجود وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة من هواتف محمولة وخلافه، مما كان لها أثر على سلوكيات الأبطال والبعد النفسي للمكان الروائي. 


رابعاً النهاية

ومع انتهاء رحلتنا مع الكاتبة في تلك القرية التي نتساءل عن حقيقة وجودها نجد النهاية مناسبة لطبيعة الأحداث وملائمة للفكرة، حيث أرضت ضمير القارئ ومنطق الأحداث. 

إقرأ أيضا رواية شروق

إرسال تعليق

comments (0)

أحدث أقدم
Post ADS 2

آخر الأخبار

Post ADS 2