قراءة نقدية بعنوان (التاريخ المصري بين الحقيقة والخيال)
في رواية ( أون سفر الشمس) للأديبة/ هالة المهدي
الرواية من إصدارات دار ديوان العرب للنشر
بقلم/ محمد كامل حامد
الإهداء مميز جدا من أبيات شعرية جميلة، توجه الكاتبة إهدائها إلى الذين رحلوا عن وطنهم ونسوا تاريخهم؛ ليتذكروا دائما أنهم أصحاب تاريخ مجيد وحضارة عظيمة.
انقسمت الرواية إلى أربعة فصول رئيسية (غموض/ رحلة الشمس/ الرحلة المقدسة/ عوالم موازية) ويندرج بداخلها الكثير من العناوين الفرعية؛ لتصل بالكامل لعدد 22عنوان منها بعض العناوين ذات الطبيعة التاريخية ومنها غير ذلك.
السرد
السرد في الرواية شيق جدا واللغة سليمة ومعبرة، ونجحت الكاتبة إلى حد بعيد في الانتقال من فصل لفصل وداخل الفصل الواحد بسهولة ويسر، كذلك بسلاسة تنقلت بنا عبر فترات زمنية مختلفة من عصر إلى عصر؛ تذكرنا بما تضمنه من عظمة شكلت تاريخنا القديم، مع الحفاظ على الحبكة وتماسكها واستخدام الراوي العليم ليستعرض الشخصيات والأحداث المختلفة بها ويغوص في أعماقها بسلاسة في مزيج رائع بين التاريخ والخيال، وعبرت بصدق عن مشاعر الشخصيات وأحلامهم وطموحاتهم.
الأحداث
تبدأ الرواية بحادثة غامضة فتثير المتلقي لمعرفة المزيد عن ظروف الحادث وملابساته؛ لنجد أبطال الرواية أصدقاء يقنطنون نفسالمنطقة وتربط بينهم علاقات صداقة، لديهم الطموح والأمل لتغيير الواقع وتحقيق نجاح علمي غير مسبوق، وهنا نجد أنفسنا نقف على خط واحد ما بين الحقيقة والخيال المستحيل تحقيقه؛ والذي يحاولون جاهدين فرضه كواقع ملموس، مستعنين في سبيل ذلك بنظريات العلم.
تقص لنا الكاتبة الأيام السابقة للحادث وخلفية الشخصيات بالرواية، وتاريخهم الأسري وانتمائهم لهذه البيئة المصرية البسيطة بتاريخها العظيم، وما يقومون به في محاولة جادة لفرض واثبات وجودهم، يظنون أنهم قادرون على تغيير مسار البشرية.
يتم الانتقال زمنيا فقط لكن المكان ثابت، رغم إن البيئة المكانية المحيطة بهم تغيرت لدخولهم في دهاليز الماضي العتيق، تتطرق الكاتبة للحديث عن المعلومات التاريخية الهامة بسرد روائي شيق يمتلئ بجماليات اللغة حول فترات زمنية بعينها، ولكن في بعض الأحيان نشعر أننا أمام بحث تاريخي من كم ما تم سرده من حقائق، ويتم المزج بين الواقع التاريخي والخيال بطريقة مدهشة، وتأخذنا الكاتبة معها في جولاتها الممتعة مبحرة في عوالم مختلفة.
تعرض لنا عصور متباينة بمساوئها وميزاتها؛ ليتشكل بها التاريخ المصري القديم وصولا إلى تاريخنا المعاصر، وما عانى منه الشعب من فساد وظلم خلال هذه العهود، وتميزها بالنهضة والتقدم في الوقت ذاته بالمقارنة لما هو واقع الحال في الحاضر؛ فعلى الرغم مما وصلنا إليه من تكنولوجيا حديثة وتقنيات متطورة في جميع المجالات، لكننا فقدنا الكثير من ريادتنا وضاعت بيننا الكثير من القيم والمثل، يمتزج أبطال الرواية مع شخصيات ورموز مصر في هذه العهود؛ فرغم من وجود الفاسدين تواجدت رموز وطنية شريفة سعت لتغليب مصالح الشعب والوطن.
نجد بين سطور الرواية توظيف الخيال خلال السرد بطريقة ملفتة وبناء على عناصر فنية سليمة؛ لنجد بالرواية العناصر مكتملة من سرد شيق وحوار يلقي الضوء على الأحداث وتناميها بالرواية، واستطاعت الكاتبة من اسنخدام التقنيات المختلفة لتجعل هذا المزيج بين الواقع والخيال مقبول ويمكن التعامل معه وتصديقه، وكأن الكاتبة تعقد المقارنة بين الحديث بما فيه من اهمال وتردي في الزوق العام والأخلاق والسلوكيات وبين القديم بما حمله من أصالة وزوق ورقي.
يلتقي الابطال في الرواية بالعديد من الشخصيات التاريخية والأدبية الهامة التي أثرت فيهم؛ لتكون في مرحلة أخيرة الوداع لأماكن وشخصيات ارتبطوا بهم، استخدمت الكاتبة عدة تقنيات روائية باقتدار ومنها الفلاش باك، لتنتقل شخوصها جسدا وروحا، واستخدمت أيضا الميتاسرد لتروي قصص عديدة بداخل روايتها لتطلعنا على أكثر من عالم وتسلط الأضواء على أكثر من حياة.
دام الإبداع والتألق والنجاح للكاتبة المبدعة إن شاء الله
إقرأ أيضا رواية جدار قارون
إرسال تعليق