قراءة نقدية في رواية نسر الدم
للكاتب: محمد نزيه
رحلة قررت خوضها مع جيل جديد وقلم مختلف، من أبناء دار ديوان العرب للنشر والتوزيع، لم أتردد لحظة في الحصول على تلك الرواية والسير في أغوارها بحثاً عن الجديد عند الكاتب، ولكنه فاجأني أن هناك اختلاف كلي بين ذلك الجيل الذي تربى على روايات الجيب وكتابات كبار الكتاب، وهذا الجيل الذي خرج للعالم ليجد ثورات وحروب، أوبئة وأمراض.
غلاف غامض ينبئك أن بالداخل أسرار ومخاطر ودماء، أفصحت عنها ألوان الغلاف، قبل أن ينبهك العنوان ويكون قد فعل ما عليه تجاهك وحذرك أن تفكر قبل الاقتراب.
الأسلوب الأدبي
جاءت الرواية خليط من ميثولوجيا الشعوب وتاريخ الحروب، فتعيش الفانتازيا بين الرعب والسحر واللعنات، عالم اختلط فيه الجن والإنس، فكان العبث بالأرواح، ودموية الانتقام وبشاعته، فلم تعد تعرف هل أنت في الماض أم الحاضر.
سرد ماتع شائق، تفاصيل كثيرة وصف بها الأماكن بدقة، تمر بين الصفحات بحالة من الرضا، فقد تستطيع سماع وقع أقدام أحدهم أو صراخه يخرج من الصفحات، تستطيع شم رائحة الدماء بين الأسطر، والشعور بلزاجتها تحت أقدامك، تشعر ببشاعة الانتقام بشراسة والقسوة في أخذ الثأر، ما بين حق المظلوم وبداية ظلم جديد، أحداث خيالية تتخللها وقائع حقيقية من التاريخ تجعلك تقتنع أن ما تقرأه حدث بالفعل.
الأحداث
تصاعد في الأحداث رغم التنقل بفكرة الفلاش باك، مفاجآت ستشعرك بالصدمة عندما تجد أن كل توقعاتك باءت بالفشل وأن الكاتب انتصر عليك بدهاء، تعتقد أنك تعيش اللا منطق والخيال وفجأة تجد أنك ما زلت على أرض الواقع ولم يكن كل ذلك سوى هزيان.
اللغة
صور بلاغية راقية تفصح عن قلم متمكن بحثت عن سبب اتقان اللغة في ذلك السن لأعرف أنه أزهري؛ فبطل العجب، استطاع أن يفرض على القارئ التساؤلات التي لم يترك لغيره حرية الإجابة عنها.
ما مدى البحث عن العدالة؟ لماذا دائماً يجب أن يكون هناك تضحيات؟ وهل يوجد من يستحق التضحية؟ كم مناضل يذكره التاريخ ضحى من أجل من لم يستحق؟! وكم مكافح اكتشف أنه واحد من الحمقى الذين أضاعوا عمرهم هباء من أجل عاشقين للعبودية والمهانة والذل يخشون التغير؟! لماذا لا يعيش الجميع في محبة وسلام دون أن يكون هناك من يرى أنه المسئول عن تقرير مصير غيره فقط لأنه الأسمى في نظر نفسه؟ فدائماً هناك تقسيم حسب الجنس والعرق واللون أو حتى الدين، رغم أن جميع الأديان جاءت من أجل المساواة والعدل.
الحبكة
وفي الأخير تجد النهاية التي لم تتوقعها مطلقاً، تتنفس الصعداء بعد تلك الرحلة الشاقة، وفجأة تعود لتدور في جولة سريعة بين صفحات الرواية متذكراً كل ما مر بها من أحداث مرغماً رغم الوصول للنهاية، فتودعها وقد وصلت بسلام لأرض الواقع متسائلاً في خوف عن المستقبل.
لأعترف أني لأول مرة أغلق رواية ولا أعرف ماذا سأقول في حق هذا الكاتب، وجدت نفسي أمام قلم مختلف بفكر ونظرة مختلفة للحياة، نظرة منشأها ليس الكتب والنظريات المكتوبة، إنها نتاج واقع الحياة والتطور المعرفي، خيال نسجه الأفلام العالمية والوثائقية، فكانت تلك الرواية بمثابة فيلم أجنبي مكتوب ولكن بروح وبصمة وأخلاق عربية، فأصبحت اختيار جيد لمحبي الأب العالمي والمترجم، وراغبي الأكشن والإثارة والرعب.
بقلم: مي حسام أبو صير
إقرأ أيضا لقاء مع الكاتبة هالة المهدي
إرسال تعليق