لقاء مع الكاتب محمد الجداوي

 شاعر وكاتب محب للعربية، توج بالمركز الأول في مسابقة أفضل شاعر بديوان العرب، فكان يومها بداية حواري معه في لقاء مع الشاعر محمد الجداوي.

لقاء مع الكاتب محمد الجداوي


هل يمكن أن يعرفنا الكاتب محمد الجداوي بنفسه؟

محمد فوزي الجداوي، من مواليد قرية المنصورية بمحافظة الجيزة يونيو ١٩٨٨.

تخرجت في كلية الآداب جامعة القاهرة ٢٠١٦ بعدما طُفت تخصصات عدة حتى استقررت في قسم اللغة العربية التي أستشرف ملامحها في نفسي كلما تحدثت أو أمّلت.

حصلت على نيف وعشرين إجازة في القرآن والتجويد والحديث والتفسير والتاريخ والبلاغة والأدب  والعروض والنحو.

درست التنمية البشرية في عدة مؤسسات محلية ودولية، واللغة الإنجليزية؛ لذا غالبا ما أستوعب الاختلافات ولا أنساق وراء العنصريات العمياء.

اللغة العربية فروع عدة كيف تُقَوّم كل منها الأخرى؟

اللغة العربية كلٌّ كامل، لا يستقيم فهمنا لها إلا إذا استوعبناها جميعها من جميع جوانبها، معتمدين على أصول بنائها نحوا وصرفا، مرتكزين على هيكلها معنى ودلالة، منتشين بجمالياتها بيانا وبديعا.

ربما استطاع أحدنا أن يفهم لغتنا العربية مرتكزا على فرع واحد من فروعها، لكن يبقى فهمه قاصرا على ما أدرك منها، كالأعجمي والطفل الذين يتعلمان العربية انطلاقا من الحروف والحركات والسكنات، يستطيعان في بدايتهما أن يقرآ العربية لكن إدراكهما يبقى إدراك رموز حتى يرتقيا للمرحلة التي تليها وهكذا.

ومن جمال العربية أن كل نقطة فيها تجرك للتي تليها، وكل معلومة ولو بسيطة تفتح لك الآفاق لعالم لا ينتهي من التساؤلات التي لا تترك رأسك ترتاح حتى تعرفها، هذا إن أخلصت القصد وأيقنت أن العلم الحقيقي لا يُدرك إلا بتعلم لغة شرفها الله من قبل أن يخلق الخلق.

كيف بدأت موهبتك بالظهور؟

لهذا السؤال شِقان، الأول أني أُولعت بحب العربية منذ بلغت بدايات المرحلة الإعدادية بفضل معلم العربية حينها أستاذي أحمد أبو زيد، أدركت أنه لا بد لكي نلمس جماليات اللغة من هادٍ أمين ينقش معالمها في نفوسنا بهدوء وتؤدة وبسمة صافية وروح شفيفة ونية صادقة، ثم حُببت إلىَّ القراءة.

الثاني أني في بدايات المرحلة الثانوية، زجّت بي أختي التي تكبرني بعامين لهذا البحر الخضم بحنكة "مقصودة أو عفوية" وتدرج غير منفر، فألقيت بعض قصائد لشعراء كبار، وأعددت مقدمات إذاعات مدرسية، وشاركت في أنشطة طلابية؛ ما ساهم في تشكيل الخربشات الأولى، ثم اقترحت: لماذا لا تكتب بعض ما تشعر به؟
في المرحلة النهائية للثانوية العامة جرّبت، تجرأت، رسمت أول شعور حي عشته في شكل مقال يرتكز على الجناس والسجع والمفارقات اللغوية، وهنا ظهر الدور الأبرز في توجيه الموهبة حينما عرضت هذا المقال على أستاذ اللغة العربية بالمدرسة الأستاذ مصطفى كامل، الذي وضع بصمته على روحي حينما انتهيت من قراءة مقالي بقوله: "ايه الجمال دا، كأني كنت باسمع لابن الرومي" خرجت من مكتبه وكأن السحاب بين يديَّ، ومن وقتها لم أترك قلمي، لكنه صار الآن أكثر نضجا.

كيف شعرت عندما تم تأهلك لتصفيات ديوان العرب كأفضل شاعر؟

أفضل شاعر! رأيت منشور المسابقة صبيحة الإعلان عنها، فوقفت مع نفسي أفكر، قلت: ربما حددت الدار أعمالا قيمت مستواها من قبلُ وتعرف أنها تستحق، وأعلم أني لا أليق بهذه المكانة، فانصرفت عنه منشغلا.

صبيحة اليوم الأخير للتصويت راجعت نفسي وقررت- رغم ضيق الوقت- المشاركة؛ متكئا على توفيق الله ثم محبة الناس، وبالفعل حدث ما أراد الله، حصدت المركز الأول في المرحلتين.

لقب أفضل شاعر جائزة أعتز بها، خاصة أنها صادرة عن مكان له اسمه ومستقبله، ويشرف عليه كوكبة لها ثقلها ووزنها، واعتزازي يزيد بسبب حجم المنافسة؛ تسعون شاعرا وروائيا وكاتبا من دول عدة وأكون الأول عليهم! هي والله المكافأة، ثم يأتي التكريم الأبرز والمتمثل في ترجمة أعمالي للإنجليزية، هي والله البغية التي لا يحيد عنها شاعر باعتبارها البوابة الأولى للعالمية.
بالمناسبة، كنت على اتصال بأختي الكبرى التي وضعت قدمي على هذا الطريق قُبيل إعلان النتيجة، فكانت تدعو لي بأن يرزقني الله بالدولارات، وكنت أقول لها الجوائز الاعتبارية أهم، فأراد الله ألا يخذلها وأن يكافئني بقناعتي فكانت الترجمة.

هل تظن الشعر العربي يندثر أم مازال قويًا؟

الشعر العربي يندثر؟ تلك والذي نفسي بيده أضحوكة عصرنا التي روج لها الفارغون أدعياء التطوير المنقلب على الأصول، أصحاب النظريات الخرقاء باتحاد الأجناس الأدبية وروائية التوجه القرائي.

وليس أدل على بقاء الشعر العربي قويا من استحالة حصر الشعراء الشباب الذين يحافظون على قوام القصيدة العربية الأصيلة، وارتفاع نبرات مناهضة ما وراء الواقعية مفرطة الرمزية، ضاربين بأيدٍ من حديد وبإبداع منقطع النظير هذه الادعاءات.

من جانب آخر، تسعى مؤسسات صغيرة لنيل مكانة ليست لها بالترويج لفكرة روائية العصر معتبرين هذه الأطروحة مقابلة لشاعريته، وهذا وهم محض؛ فلا يعني اهتمام الناس بالأعمال الدرامية المبنية على أعمال روائية أن الشعر قد قلت مكانته، بل يستمعون الغناء والأناشيد- وهي الأكثر مشاهدة واستماعا على الشبكة الإلكترونية- ولا زالت مكانة القصائد محفوظة لدى من ما زالوا يمتكلون أذنا نظيفة وقلبا نقيا.

نعم، نعاني في الوصول للناس، ما يعتبره الناس ضعفا لمكانة الشعر العربي، لكننا نؤكد أنه لو أُفسح المجال الإعلامي قليلا للأقلام الجادة وأصحاب المواهب الحقيقية لعادت الأمور إلى نصابها، لكن هذا الوضع يُراد له أن يكون.

القصيدة المنظومة الدينية والابتهالات، كيف ترى وجودها، وهل تطرقت لها باعمالك؟

سؤال عن حالين يظهران في شكل الشعر، الأول القصيدة المنظومة التي تشرح علما مجردا باستخدام نغما عروضيا دون الارتكاز على الشعور والعاطفة والتخييل، وهي موجودة في تراثنا كتحفة الأطفال والمقدمة الجزرية في التجويد، والأرجوزة الميئية في السيرة النبوية، والقصيدة اللامية في العقيدة، وقد أُجزت بهم إجازة متصلة لمؤلفيهم، وغيرهم الكثير.

وقد نظمت شيئا يسيرا في ذلك ففي التجويد قلتُ:

والميمُ أحكامٌ لها إن سُكنت
إخفاؤها إن باءُ بعدها أتت

الادغام إن ميما تلتها ميمُ
الاظهار في سواهما مرسومُ

الثاني القصيدة الدينية والابتهالات، وهي قصيدة مكتملة الأركان ترتكز على نغم معروف، تعتمد في أغلبها على عمودية التركيب بعناصره الستة المعروفة، ولعل أشهر من عُرف بهذا النوع كعب بن زهير صاحب البردة الشهير، والإمام الشافعي.

ولم يخلُ زمان منذ ظهر الإسلام من تلك القصيدة التي يتخذها أصحابها قربات للقبول وسلما للوصول وحجة لهم حين يلاقون أهوالا لا منجي منها إلا الله.

ولي في هذا أيضا قصائد عدة، فديواني الورقي الأول "متكأ على صمتي" قسمته لأقسام ثلاثة أولهم ينتمي لهذا النوع من القصائد ما جعل الناقد والإذاعي الكبير أ. السيد حسن يشبهني بالإمام الشافعي رضي الله عنه، وفي ديوان دالة الرؤيا افتتحت بها الديوان تبركا، فيه مناجاة ومدح تنتمي لهذا اللون.

وفي هذا الصدد، فبعض حلمي أن يكتب الله لي إصدار ديوان كامل في مدح رسول البرية محمد- صلى الله عليه وسلم- فيكون شفيعا لي وجابرا لعورات نفسي.

هل ترى تأثيرا على  الشعر الحر والعامي  مع وجود الدخيل الجديد من الشعر النثري وقصيدات الهايكو؟

هناك خلط كبير جدا في المصطلحات، وفساد في إطلاق المسميات ما جعل الأسماء تطغى عليها، هل رأينا يوما عالما يُطلق اسم النحو على الصرف؟ وإن كان الأخير منضويا تحت الأول قديما، هل رأينا يوما عالم فيزياء يُطلق هذا الاسم على الكيمياء الحيوية؟ لكن في الإبداع الأدبي هذا الخلط موجود حين يُطلقون تسمية الشعر على الزجل وعلى النثر الأدبي وقصائد الهايكو.

ليس معنى ما قلته سابقا أنني أرفضها أو أنفي وجودها، بل أطالب فقط أصحابها بتسميتها بمسمياتها؛ تجنبا للخلط واحتفاظا بسمات لا تنمحي بتغيير مسمياتها.

أما عن التأثير فدائما ما أؤكد أن القصيدة العربية مرت- كعادتها تاريخيا- بمرحلة من الفتور والاضمحلال تزامنا مع الواقعية وما بعدها، وما أثبت للشعر مكانه إلا محاولات انطلقت من الشعر رافعة رايته منحرفة عنه فيما عُرف تاريخيا بثورة "شعر التفعيلة".

فأخذ الشعر منحنى صعود من جديد بعد أن جمد وتوقف، ثم جاءت محاولات ما يُسمى بقصيدة النثر، أو ما أحب أن أسميه النثر الفني الذي حاول أن يحل محل الشعر؛ ما جعل حماة الشعر أن ينتفضوا من جديد؛ حفاظا على موروث لا يمكن إغفاله واستكمالا لبناء صرح ديوان العرب الذي بدأ بامرئ القيس ولن ينتهي حتى تقوم الساعة.

وبهذا يتضح أن تأثير الزجل والدخيل عزز دور الشعر وأعاد هيبته ومكانته، وشجع من كانوا يختزنون مواهبهم في أدراجهم لا يُبرزونها على استظهار الكسل والعودة لتصدر المشهد من جديد بما يليق بالشعراء الذين يحافظون على أصالة الصنعة ويجددون في المحتوى بما يتماشى وروح العصر.

ما خطواتك  القادمة التي سنراها من بعد دالة الرؤيا؟

أعد الآن ديواني الجديد، وأتابع بشغف صياغة فصول روايتي الأولى، التي أظنها ستكون تجربة مغايرة؛ إذ تجمع السرد بالروح الشاعرة، وتنظر نظرة متفحصة لحقبة تاريخية من منظور يوتوبي.

ما الكلمة التي توجها للشعراء الناشئين ليفيدهم بخطواتهم؟

نصيحتي لي أولا ولكل من امتلك قلما إبداعيا أن يبتعد عن النزاع ويتخلص من التأطير المُخل، ويتمسك بالثوابت دون فقدان التطوير المرتبطة بالمعاصرة، ثم لنتمسك بتعاليم ديننا وثوابت عاداتنا وتقاليدنا؛ حتى لا نتوه في لجج التغريب والانحلال.

حوار/أميرة إسماعيل

إقرأ أيضا لقاء مع الكاتب عبد الرحمن صقر


إرسال تعليق

comments (0)

أحدث أقدم
Post ADS 2

آخر الأخبار

Post ADS 2