لقاء مع الكاتبة هبة ماردين


الحق والعدل رسالة ارتبطت بمبادئ الكاتب، وتزداد في المهجر، اليوم حديثي لم اريد أن انهيه ولكن كنت مجبرة لانهائه فهو لقاء مع الكاتبة هبة ماردين.

لقاء مع الكاتبة هبة ماردين


من هي الكاتبة هبة ماردين؟

هبة ماردين سورية من حلب الشهباء جذوري من مدينة ماردين التركية والتي كانت مدينة سورية قبل اقتسام لواء اسكندرون منها، درست القانون في كلية الحقوق في جامعة حلب، أديبة وباحثة اجتماعية بدأت بكتابة قصيدة النثر ثم تطورت كتاباتي _بعد القراءات العديدة للكثير من الأدباء_ إلى كتابة القصص والروايات.

 أعمل في دار ديوان العرب للنشر والتوزيع بصفة مدير تنفيذي ورئيس لجنة التدقيق في الدار، انتقتني المنظمات الدولية لأكون سفيرة للسلام والنوايا الحسنة وأقدم برنامجاً اجتماعياً في المنبر الحر العربي والعالمي التابع لمنظمة أجنحة السلام والديمقراطية.

 أقيم في إسطنبول حاليا بعد الحرب التي اندلعت في سورية.

متى ظهرت بوادر الموهبة الادبية؟

موهبتي بدأت من الثانوية العامة، حيث كنت بارعة في شرح القصائد وكتابة مواضيع الإنشاء مما جعل مدرس اللغة العربية يشجعني على دراسة الصحافة في الجامعة؛ نظرا لبلاغتي الجيدة وأسلوبي في سرد المحاور المطلوبة للموضوع، ثم انتسبت لاتحاد شبيبة الثورة، وهناك شاركت بعدة أمسيات مما جعل النقاد يشيدون بحسن إلقائي لقصائدي النثرية، وبشروني بمستقبل جميل وأنني سأكون أديبة متمكنة في المستقبل، ومن بعدها انطلقت إلى المنابر الثقافية كافة واتحاد الكتاب العرب في حلب.

 وشاركت في عدة مهرجانات أدبية، لكنني لم أدرس الصحافة لأنني أعشق الحقوق ومجال التحقيق خاصةً، ثم بدأت أدرس اللغة العربية من خلال محاضرات للأخطاء الشائعة والنحو والصرف وبدأت أقرأ المعاجم والكثير من كتب النحو وكل ما يخص لغتنا الأم، وأسست نادياً ثقافياً في حلب بالتعاون مع الاتحاد النسائي وأطلقت عليه اسم (صدى حواء) والذي كان عنواناً لثاني مؤلفاتي الشعرية حينها.

كيف أثرت الحرب على كتاباتك؟
الحرب قد أكلت قطعة من كبدي وفجرت في نفسي كل أسباب القهر خاصة بعدما استشهد أخي الذي كان أكثر من أخ بالنسبة لي فقد كان كل الدنيا وكل الناس، وتغربت وقاسيت حياة الغربة التي لا ترحم، وانطلقت لكتابة أولى رواياتي (جراح الحمام) والتي تحكي الحرب واستشهاد أخي، كذلك طبعت كتاب شعر بعنوان (دمعة حرة) أهديته لروحه الطاهرة.

ما بين الحروب والتهجير كيف يؤثر الأدب على فكر الثورات والثوار؟
حين يكون الثائر على حق فإنه يتصرف بحكمة أكثر، لكن للأسف الثورات التي قامت جميعها في الوطن العربي لم تثمر غير الدمار والهلاك للوطن، الأدب كان يؤثر في العصور السابقة بحثّ الإنسان على التمرد والعصيان والوقوف في وجه الطغاة ودحر الأعداء والمحتلين كما هو في أدب محمود درويش والسياب وإبراهيم طوقان وغيرهم من الشعراء، أما الثورات التي قامت في ظل الربيع العربي كانت نتيجة تأثير المادة والدولارات لا الأدب والفكر، ومعظمها قامت بدافع مادي بحت، ولم يغيروا شيئاً غير أنهم سرقوا البلاد وهاجروا إلى الدول التي حثتهم على تدمير وطنهم.
أما لو سألتني عن تأثير الحرب على نفس الكاتب بشكل خاص فأقول لك هي تفجر فيه روح الإبداع وتفتش في عمقه عن البلاغة القوية التي توصل رسالته الأدبية السامية للقارئ، فالحزن والشجن يدعمان الإبداع عند الكاتب. فما بالك إن كان مشتاقاً لحضن الوطن.

كيف يمكن وصف أدب المهجر ومشاركته في الساحة العربية؟
من أجمل ما قرأنا من كتب الشعر كانت كتب المهجر فهي تنضح بالمشاعر الصادقة النابعة من صميم المعاناة للشاعر، فقصيدة شاعر المهجر تفجر نفسها تنبثق من فكره دون إذن منه، فهو يصب نار شوقه وألمه في سطور من لهب، لا أعرف كيف أصف لك شعوري حين توقظني قصيدة من نومي لأدونها على الورق أو حين تقضّ فكرة ما مضجعي ولا أستطيع إغماض الجفن قبل أن أكتبها، أدب المهجر أثر كثيراً في الساحة الأدبية فهناك العديد من شعراء المهجر سطر التاريخ أسماءهم ولهم أمجاد في الشعر كجبران وإيليا وميخائيل وآخرين.

الأندية وندوات الأدب كيف ترينها في الوطن العربي وخارجه وهل تقوم بدورها؟
الأندية أراها انطلقت بكثرة في مواقع التواصل الاجتماعي أكثر منها في أرض الواقع، وأراها تؤتي أُكلها أكثر من حيث الكم للمتواجدين في المنتديات، أما المنتديات الواعية فهي أكثر قوة بسبب حضور نخبة من الأدباء المرموقين فيها والمشاركة في الندوات والأمسيات؛ حيث لا تستقبل كل من هبّ ودبّ، ولا تقيم أمسياتها ومحاضراتها إلا لمن هم أهل للأدب حقاً. برأيي دورها فعال في الوطن العربي وفي العالم العربي ككل، أي خارج حدود الوطن، فهناك الجاليات العربية في مختلف الدول تقيم ندوات ثقافية ومحاضرات تعليمية، وكذلك تنموية وتربوية بالإضافة للأمسيات الشعرية، الأدب لغة عالمية كما الموسيقى والرسم تماماً له روح مشتركة في كل مكان وزمان.

كيف كانت رحلتك في كتابة اول عمل ورقي؟
بدأت بتجميع نصوصي التي كنت أنشرها في الصحف المحلية، وقدمتها لأستاذي الذي تبنى موهبتي وكان الأب الروحي لي الأستاذ الكبير الأديب أحمد دوغان رحمه الله، وطبعناهم في مجموعتين شعريتين بشكل توءم، الأولى بعنوان (وجه في الظلام) والثانية (صدى حواء) وأخذ الكتابان صدى كبيراً في الصحف المحلية وكذلك في الندوات الأدبية حيث أشاد بهما الكثير من النقاد وكتب عنهما دراسة شاملة أستاذي الفاضل سلوم الياس سلوم، وبعدهما تم تصنيفي مع 100 أديب حلبي معاصر في معجم الأدباء وهذه مكرمة لا يحظى بها أي أديب؛ أن يكون اسمك بين نخبة من أدباء وطنك وكلهم أصحاب مسيرة طويلة في الأدب فإنه إحساس مشرّف حقاً ويشعر الأديب بالفخر ويشجعه على المثابرة، ومن ثم انطلقت في طباعة باقي مؤلفاتي لكن للمصادفة الجميلة في كتبي أنهم جميهم ولدوا توائم، فلم أطبع كتاباً مفرداً إلا وله رفيق، وهذه مصادفة جميلة أو سمة تتصف بها مؤلفاتي.

كيف انتقلت في النشر بالدور المصرية؟
بعد الهجرة من وطني إلى تركيا لم أجد دار نشر أنشر فيها مؤلفاتي فقمت بفتح حساب فيسبوك وانضممت للمنتديات الثقافية وبدأت أنشر فيها وفي المجلات الإلكترونية إلى أن انضممت إلى مجموعة الوتر الحزين والتي كان مؤسسها الدكتور محمد وجيه وعملت معه كآدمن، ثم قرر تأسيس دار نشر وتوزيع، وتم الأمر والحمد لله وكان أول كتاب يطبع في الدار هو ديواني (دمعةٌ حَرَّة) واستبشرنا فيه خيراًً لتتوالى من بعده المؤلفات، وعملت في الدار مدققة لغوية على مدار أربعة أعوام دون انقطاع.

ما الفارق الذي امتاز به اسلوبك الأدبي من دمعة حرة إلى إذا الغاسق وقب؟
الأسلوب الأدبي تطور كثيراً فالإنسان مهما تقدم في العمر يبقى بحاجة للعلم أكثر، وكلما اكتسب الخبرات وتلقى المزيد من العلوم تزداد مهاراته الأدبية والبلاغية وهذا ماحصل معي تماما فقد تقدمت كتاباتي بشكل ملحوظ حيث أصبحت أكثر بلاغة وأعمق معنى.

رواية إذا الغاسق وقب استغرقت معي ثلاث سنوات فقد درست كافة العلوم التي تتكلم عنها أحداث الرواية وبحثت كثيرا في مراجع تؤكد فكرتي المرجوة من الرواية، فأنا بطبعي أحب أن يكون حرفي صادقاً حتى وإن كان يحكي الخيال، وهي العمل الأحب إلى قلبي وأنا مؤمنة بها جداً بأنها ستكون رواية ناجحة بأمر الله متفائلة بها جداً وأحبها أكثر من كل مؤلفاتي.

هل من الممكن أن تلقين الضوء على كواليس العمل في دار الديوان بفترات الاستقبال والنشر؟
يا إلهي!! ماذا أقول لك عن الكواليس وما خلفها، جهد وإرهاق وسهر وضغط في الوقت وتعب نفسي وجسدي لا يوصف خاصة في فترة المعارض فإننا نكون مستنفرين للعمل كأننا جنود أو خلية نحل، نقرأ الأعمال ومن ثم ننتقي ما سنقبله وما سنرفضه حسب معطيات حددناها، ومن ثم أقوم بالتدقيق وأرسله للدكتور محمد لينسق الملف وكذلك المصممات يعملن في الأغلفة، إنه عمل دؤوب ومتعب فوق الوصف، لكن مجرد أن نرى الكتب فوق رفوف المعرض ننسى كل ذلك التعب ويتحول إلى سعادة عارمة.

التدقيق الأدبي والمراجعة الادبية، جملتان تتصلان بالكتب بشكل وثيق لكن لا يعرف البعض أو الكثير من الكُتاب ضرورتهم هل يمكن توضيح تلك النقطة؟

الكاتب حين يهمّ بكتابة مؤلفه أياً كان نوعه، تأخذه السرعة والغبطة بآن واحد لإنجاز عمله الأدبي، فمنهم من يكون غير متمكن من اللغة العربية فلا ينتبه لبعض الثغرات الإملائية والنحوية، وهناك من هو متمكن لكن يقع في فخ الأخطاء الشائعة والخلط بين العامية والفصحى، وكذلك هناك الكاتب المتمكن من اللغة لكنه بسبب السرعة في كتابة المؤلف تسقط منه سهواً بعض الأخطاء، وهنا يكون دور المدقق وهو البحث والتمحيص عن كل كبيرة وصغيرة في الكتاب ليخرجه بشكل جيد للقارئ، فقد نرى كتباً بشكل مؤسف حقاً بشكل منفر للقارئ من كثرة الأخطاء فيها، كما أن هناك بعض المفردات التي تأخذ أكثر من معنى ويحل المشكلة التشكيل فحركة واحدة قد تغير معنى الكلمة كلها، وفي هذه الحالة أتناقش مع الكاتب وأستفسر عن مقصده منها لأضعها بشكلها الصحيح في الجملة، من المهم للكتاب أن يعرض على مدقق لغوي قبل طباعته لينال نجاحاً ولا يتعرض لفظاظة بعض النقاد.

كيف يمكن توجيه الكاتب لإخراج عمل لائق وممتع من خلال الناشرين والمدققين والنقاد؟
يتم توجيه الكاتب من خلال دعمه وتوضيح الخطأ الذي وقع فيه، لا إهانته والتقليل من شأنه وقدراته وإحباطه، فالأسلوب في التعامل هو أساس نجاح كل شيء، فحين أناقش الكاتب بالخطأ والصواب والبلاغة الأجمل والعبارة الأنسب والفكرة وكيفية توظيفها، فإنه سيرتاح نفسياً ويطمئن لعمله الأدبي، نحن نقوم بذلك والحمد لله بالإضافة إلى الندوات التي تقام في الصالون الأدبي التابع للدار والمحاضرات التي تقدم النحو والصرف والبلاغة من قبل مختصين فيهم، أما النقاد فهؤلاء مسألة أخرى فمنهم من يدعم الكاتب بالنقد البناء، ومنهم من يحطم الكاتب بالنقد الهادم.

اليوم كيف تقدم الكاتبة هبة كتابها إذا الغاسق وقب للقراء؟
رواية إذا الغاسق وقب رواية خيال علمي تجمع العديد من المحاور العلمية شخصياتها مأخوذة حسب علم النفس الجنائي، تحكي مستقبلا بعيدا، وقريبا من نهاية العالم، اعتمدت في كتابتها على القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، والكثير من كتب الإعجاز العلمي، وعلوم الطاقة والفلك وعلم النفس وعلم الروح، لكل بطل فيها قصته الخاصة لكن القصص كلها تصب في بحر واحد فهي مرتبطة بأحداث الرواية وغير مفككة، اخترت أسماء الشخصيات بما يتناسب مع الفكرة المرجوة من رسالتي الأدبية فيها، عنوانها مقتبس من سورة الفلق، ومن حديث الرسول عليه الصلاة والسلام عن الغاسق وماهيته وماذا يحدث أثناء ذلك الحدث من شر عظيم. روايتي التي بذلت جهداً كبيراً في كتابتها، ثقتي بالله أنها ستكون ناجحة وسيحبها القراء كما أحببتها أنا.

ما أهمية تعلم القرآن في توجيه الكاتب وتهذيب نفس الإنسان من بعد كتابة إذا الغاسق وقب، وسبب تسمية العنوان بأية قرآنية؟
وهل أفضل بلاغة من كلام الله عز وجل؟! إن القرآن الكريم هو المرجع الأول للغة العربية، وهو بئر البلاغة والقوافي الجميلة، إن كلام الله لا مثيل له، ومن خلال قراءة القرآن اكتسبت البلاغة العميقة في توصيف الشيء المراد تقديمه في مادتي الأدبية، لكنني حين أقتبس من كلام الله فإنني أوظفه فيما يخدم الفكرة، ولا آخذ كلام الله وأرفقه لي، فهذا كفر، فكلام الله منزه عن أن يقوله أي إنسان منا، أو أن ينطق بمثله، حتى التناص يجب ألا يكون في مجال الكفر والإشراك بالله؛ حيث يأخذ الكاتب كلام الله بحذافيره نسخاً ويرفقه لنفسه بالنص الذي يكتبه. وحين اخترت عنوان روايتي من القرآن الكريم، كان السبب هو محور الرواية الرئيس وهو فعل الشر والأذى أثناء الغسق أو الخسوف كما يسمونه علماء الفلك، فكما وضح الرسول عليه الصلاة والسلام أن الله أمرنا بالاستعاذة من الغاسق إذا وقب أي من القمر إذا خسف؛ ففي وقت الخسوف تنتشر السحرة والشياطين ويقومون بكافة أفعال الشر لأذية البشر، هذا كان سبب اختياري للعنوان بدون أن أنسخ الآية نسخاً وإنما اقتبستها ووظفتها توظيفاً يخدم الفكرة فلم أكتب (ومن شر غاسق إذا وقب)، بل كتبت إذا الغاسق وقب، والعنوان يشرح الوقت الذي يتم فيه فعل الشر وليس الاستعاذة كما هو في الآية.

كيف ترين نشاط دور النشر والمؤسسات الثقافية في ظل الوضع الراهن؟
هناك تراجع فعلي في النشر بسبب الغلاء الفاحش وارتفاع أسعار الورق والمواد اللازمة لطباعة الكتاب، وبالتالي فإن المبيع سيكون بسعر غالٍ أيضاً؛ مما يصعب على القارئ أمر شراء الكتب، الكتاب هو أنفع شيء في الحياة فحبذا لو يبتعد التجار عن المتاجرة بهذا المنتج المفيد ويرخصون أسعار الورق وكل مستلزمات الكتب ليستطيع الكاتب طباعة كتابه بأقل تكلفة وبيعه وانتشاره في المكتبات فالكاتب يهمه انتشار كلماته أكثر من المردود المادي، هناك دور نشر همها الربح فقط، أما عن دارنا فهمها دعم الأدباء وإيصال كلمتهم للعالم بأقل تكلفة ممكنة.

ما الخطوة القادمة التي تجهزين لها؟ وهل توجد اضافة؟
الخطوة القادمة التي أجهز لها هي كتاب ومضات شعرية صوفية، وأنوي طرح الكتاب وطباعته في شهر رمضان المبارك إن شاء الله، لا إضافات فقد كان الحوار شاملاً وملماً بكل ما يهم الأدب أشكرك على جهودك الراقية بارك الله في جهودك.

ما النصيحة التي يمكن أن يعتمدها الشباب بخطواتهم في المستقبل؟
نصيحتي لكل كاتب مبتدئ لا تكتب قبل أن تقرأ، اقرأ كثيراً وانهل من الأدب كثيراً، لكي تنتج نتاجاً أدبياً قيّماً، واجعل مادتك الأدبية رسالة سامية تنفع القارئ، لا مجرد بوح لاختلاجات النفس، اجعل روحك ترتوي من القراءة كي تنضح بأعذب الكلمات.

حوار/ أميرة إسماعيل

إقرأ أيضا حوار مع الكاتبة زهراء درويش

إرسال تعليق

comments (0)

أحدث أقدم
Post ADS 2

آخر الأخبار

Post ADS 2