إنسانة بسيطة، ورغم بساطتها؛ تصارع الظروف كل الوقت كي تصل لمبتغاها.. تعرف معنا عليها في حوار مع الكاتبة زهراء درويش.
زهراء درويش
هي طالبة للعلم وستظل تطلبه بكل الصنوف حتى آخر نَفَس فيها، لأنها تعي جيدا أنه المجد الذي تصبو إليه، تدرس بكلية علم النفس جامعة كدراسة اضافية رغم تخصصها، فهي دارسة ومُدرسة في نفس الوقت، تتقن بفضل الله التعبير، لذلك بدأت تعبر عما بداخلها في سطور كتبها، راجية الله أن تصل رسائلها لمُستحقيها وأن تنقش بصمتها في أرواحهم.
اليوم عندما حاورتها بأول سأول وهو...
متى بدأت موهبتك بالظهور؟
أكتب منذ صغري، حكايات خيالية وحواديت للأطفال في عمري حينئذ، حتى اكتشفتني عمتي -رحمة الله عليها- وبدأت تدعمني بقراءة ما أكتبه، وبمنحي القصص القصيرة والمصورة حتى أصقل موهبتي.. وقد كان بفضل الله.ما هو التخصص العلمي الذي اخترتيه وكيف كان الوصول له؟
أخصائية نفسية إن شاء اللهأنا الآن سائرة على الدرب ولم أصل بعد، لكنني سأصل بإذن الله يوما ما..
أقرأ الأبحاث العلمية والكتب التي تبنّت مجال علم النفس وتحليل الشخصيات والنظريات الشخصية، وفنون العلاقات، والأمراض النفسية وعلاقتها بالأمراض العضوية.. وكيفية التغلب عليها ومساعدة الآخرين كي يتخطوا حواجزهم المرضية ويحيوا بسلام قدر المستطاع.. أحب الكتابة في نفس الموضوع ايضا ولي رواية توضح تلك المفاهيم بأدق التفاصيل.
كيف أثر هذا التخصص على كتاباتك؟
في الحقيقة أثّر إيجابيا وسلبيًا أيضا!التأثير الإيجابي؛ أنني أصبحت واعية أكثر بمدى أهمية الطب النفسي وأن العلاج النفسي سواء جلسات كلامية أم علاجية؛ لا يقل أهمية أبدا عن أهمية العلاج من أي مرض عضوي، بل على العكس.. الآلام النفسية بما أنها لا تُرَى فتأثيرها أعمق ومدة علاجها أطول؛ إن اكتشفها صاحبها سريعا أصلاً! -وهذا ما أقصده فيما أكتبه، محاولةً في نشر الوعي-
أما تأثيرها السلبي؛ فأنا مازلت غير قادرة على الفصل بين ما أقرأه وأكتبه وبين حالتي النفسية! فأجدني أنغمس وأتأثر جدا وأتعاطف مع الحكايات التي أقرأها أو أتحدث معها أو أكتبها وهذا خطأ فادح لدى الإخصائي النفسي، إذ يتوجب عليه الفصل تماما عن حالته النفسية والحالات التي يساعدها في العلاج.. والآن أقوم بالتدريب على ذلك..
كما أحب دوما أن تكون كلماتي سواء كانت في كتاب أم رواية؛ أن تكون هادفة وذات طابع ديني أو علمي أو اجتماعي أو مزيج بينهم كي تُفيد القارئ بأعلى نسبة استفادة ولا يقتصر الأمر على مجرد عمل يعمل على تسليته في وقت فراغه.. أُفضّل أن يشغل وقته بما يفيده وأن يخرج من كتابي شخصا جديدا غير الذي دخله.. كتاب يؤثر فيه وينقش بصمته في روحه وليس مجرد كتاب ينسى ما فيه بعد مرور ساعتين من قرائته!
هل يمكن توجيه الأدب لمنظومة الفكر في الإرشاد النفسي بشكل سليم؟
بالتأكيد.. إن لم يكن هذا هو هدف من أهداف الأدب؛ وإلا فما حقق الأدب أهدافه..الأدب العربي يُعنى بعرض المشكلات وطرح الحلول لها، كيف تحللين تلك الجملة؟
يعني من المفترض أن يتناول الكتاب المشاكل بحلولها، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرةلأن هناك كتب تعرض المشكلة وتنجح في تسليط الضوء عليها بحجة أنها من الواقع الذي نعيشه، لكنها لا تقدم أي حلول! فيخرج القارئ من الكتاب مهموم محتار أكثر!
هل يمكن توضيح كيفية تقديم تلك الحلول داخل السياق الأدبي؟
مثلا.. في روايتي "الحالة 108" عرضت مشكلة العنف الأسري ضد الأطفال وعقوق الآباء لأبنائهم طيلة حياتهم حتى كبروا وأصبحت نفسياتهم متدمرة نتيجة طبيعية لما بدأوه الآباء.. الحل كان في تجنب التربية السلبية، واتباع التربية الإيجابية التي ترضي الله، لأن بعض الآباء يظنون أن الأبناء سوف يُسئَلون أمام الله عن طاعتهم لآبائهم، لكن الآباء لن يُسئَلوا!
لكن من هذا المنطلق هل يمكن إعفاء الابناء عن المسؤولية؟
بالتأكيد لا.. لكن إذا أمرت أن تُطاع؛ فاؤمر بالمستطاع.. بأسلوب جيد يجعل الطفل يطيعك.. هناك أب يأمر ولا يُطاع، وأم تأمر نفس الأمر وتُطاع.. لأن الأسلوبين ليس واحد.. هذا باختصار طبعا.كيف تم التجهيز لكتابة الحالة ١٠٨؟
رواية الحالة 108 كانت كأنها أفكار تتراقص في فكري منذ سنوات قبل الشروع في كتابتها، وظلت تلح عليّ وتتكاثر حتى أرهقتني جدا.. وبحكم عملي مع الأطفال؛ كنت أتعامل مباشرة مع أطفال كثيرين معظمهم غير سوي نفسيا بسبب سوء معاملة أحد أبويه أو كلاهما.. فقررت أن أبدأ فيها.. وهي أطول مدة رواية كتبتها، على مدار سنة! باختلاف باقي أعمالي التي أنهيتها من شهر لثلاث شهور..كيف كانت مرحلة البحث عن الناشر خاصة مع كثرة الدور ومشكلاتها؟
العام الماضي مررت بحالة إحباط لعدم وجود دار مناسبة وحتى قبل معرض الكتاب بالقاهرة بشهر تقريبا.. حتى اقترحت عليّ صديقتي دار ديوان العرب، كانت تتحدث بثقة عنها وهذا ما كنت أبحث عنه ولم أجده رغم نشري كتاب سابق مع أخرى.. فتواصلت معهم وبفضل الله كانت روايتي جاهزة في قافلة الكتب أول يوم المعرض.كيف اختلفت تجربة النشر بين الدارين؟
لا توجد أي أوجه مقارنة للأسف.. كالفرق بين السماء والأرض! في كل شيء..كيف ترين مستوى تحول الأدب الورقي والالكتروني في الفترة القادمة؟
للأسف أرى قلة قليلة يهتمون بالقراءة من الكتاب الورقي، لمعرفتهم ووعيهم بأهمية الكتاب بحد ذاته، لكن الأغلبية العظمى يجدون الدرب الأسهل والأوْفر في القراءة الإلكترونية وعددهم في تزايد، على الرغم من قلة أعداد المهتمين بالقراءة أصلا..في رأيي.. رغم كل شيء.. المهم أنهم يقرأون.. بأي وسيلة كانت.. لذلك حرصت على توفير كتبي بصيغة pdf بجانب توفرها ورقي.
هل يمكن تحليل المشهد الأدبي من وجهة نظرك بعد الانغماس به؟
إذا كانت متوفرة لدى الكاتب؛ دار نشر محترمة وموفية لوعودها وكل همها أن الكتاب يخرج في أحسن صورة وليس الأمر مقتصر على التجارة وحسب، حينها لم يعد هناك أي مشكلة.. ما أجمل من أن يُسلم الكاتب نسخته لدار النشر ويهدأ باله ويطمئن قلبه وهو واثق أنهم لن يتخطوه في أي قرار يخص كتابه، من أول الغلاف وحتى التدقيق والتنسيق وصولا لفهرس الكتاب في نهايته.. صدقيني كانت أهم وأكبر مشاكلي قبل معرفتي بديوان؛ عدم وجود دار ملتزمة، وعندما وجدتها؛ اطمئن قلبي بصدق.. على الأقل لن أخوض رحلة بحث بعد كل كتاب أكتبه مجددا! عندما يجد الكاتب ضالته؛ هذا يدعمه ويشجعه لمواصلة مشواره وكتابة المزيد ببال مرتاح..التسويق والدعاية اصبحا ثمة ترتبط بتجهيزات المعارض، هل ترين أنها تأخذ حقها الكافي، وعلى من تقع؟
أصبح العبء منقسم عليّ وعلى الدار وليس على الكاتب وحده! هناك دور نشر كثيرة جدا لا تهتم بتسويق الكتاب ولا بشكله ولا بكَم الأخطاء الإملائية واللغوية التي فيه.. لا يهتموا سوى بالمبالغ الذي دفعها الكاتب عند التعاقدتقع على الكاتب والدار بحد سواء.. من المهم أنهما يبذلان أقصى جهودهما لوصول الكتاب لأكبر قدر ممكن من القراء.. ومن الجدير بالذكر أن ديوان تهتم بكل الكُتّاب بحد سواء، الكاتب القديم كالجديد، الكتاب الأول للكاتب كالكتاب العاشر لنفس الكاتب..
والتوزيع والإعلانات عموما غير مقتصرة على أوقات المعارض وحسب.. بل في كل المكتبات وطول العام..
كيف تختلف تجربة الكتابة في كل من كتبك السابقة والحالة ١٠٨؟
نعم.. كتابي قطوف من بستان قلبي مع دار أخرىوروايتي متمردات مع ديوان أيضا.
أحب دوما وأحرص على ألا أكرر نفسي.. مواضيع كتبي مختلفة
كتاب "قطوف" يحوي العشرات من النصوص الأدبية الحياتية، حسبما أشعر في مختلف المواقف، وهذا ما يجعل القارئ يغدو ويروح بين كل أضّداد المشاعر في آن واحد، فيضحك تارة ويبكي أخرى..
وروايتي "الحالة 108" تعتبر كتاب علمي بحبكة درامية، كُتبت بالفصحى..
وروايتي "متمردات" رواية اجتماعية رومانسية، سردها بالفصحى وحوارها بالعامية المصرية وإحدى المتمردات سورية الجنسية لذلك أحببت كتابتها بالعامية لإظهار اللهجة وإضفاء بعض المرح للرواية.
الروايتين أحداثهما كالفيلم السينيمائي.. سيناريو وحوار، يمكن للقارئ أن يتخيل المشاهد بسهولة وكأنه بداخل الأحداث.
اليوم بعد وقوفك على أعتاب معرض القاهرة الدولي للكتاب، بماذا تنصحين الشباب في طريقهم العملي وحياتهم حد سواء؟
أنصحهم بأن يقرأوا.. ويتصفحوا نبذة سريعة عن كل الكتب المعروضة على الساحة هذه الفترة، وينتقوا ما يفيد ويصقل ثقافتهم ويضيف إليها.. أرجو ألا يهتموا فقط بالروايات المُسلية دون البحث عن الفائدة المرجوّة منها.وأن يعملوا بما قرأوا.. فما قيمة القراءة إن لم تؤثر في أفكارهم.
حوار/ أميرة إسماعيل
إقرأ أيضا حوار مع الكاتبة زهراء درويش
إرسال تعليق