الحروب تصنع رجال مدافعين عن الأوطان، واليوم لن نجد محارب بل محاربة تحمل القلم سلاح، فهيا معي إلى لقاء مع الكاتبة آريج دكا الشرفا.
والتي بدأت معها حوار امتاز بعمق صاحبته والذي بدأ.....
هل تعرفيننا بأريج دكا؟
أريج دكه متزوجة من السيد أمين الشرفا وأحببت أن يلتصق اسمه باسمي لأنه من أول يوم عرفته وهو يدافع عني ويدافع لأجلي فأحببت أن يكون تشريفاً وتكريماً لحبه.
نشأت في جباليا إحدى مدن محافظات شمال قطاع غزة، لأب متوسط الحال وأم جميلة، لدي ٣ أخوة وأخت واحدة كلهم متزوجون ما عدا أخي الصغير في مرحلة الدراسة الجامعية.
درست الكيمياء الحيوية وعملت في مجال التعليم في القطاع الخاص من سنة ثانية جامعة، اشتركت في أعمال تطوعية من خلال فريق مبادرون دوما الفلسطيني، عملت معلمة في ملجأ مبرة الرحمة، عملت كاتبة في قسم الارشيف في النيابة الجزئية، عملت في معهد تعليمي خاص كان يديره زوجي.
كنت متفوقة منذ الصغر، أحب القراءة دائما أبحث في كتب أبي، كان كثيرا ما يقتني الكتب الطبية ل أمين رويحة وكنت أقرأها وأسجل الوصفات الطبية وأجربها، كان يشتري لي قصص المكتبة الخضراء، كنت شغوفة جدا بالقراءة، وبدأت أبدع في الكتابة في مواضيع التعبير المدرسية، حينما كبرت كنت أكتب لنفسي كهواية، حينما توقفت عن العمل بدأت أهتم من جديد بهوايتي إلى أن تعرفت على مجموعة شمس الكتب وبدأت أنشر بها موضوعات وخواطر ونشرت نوفيلا الحقيقة ليست مرة دائما على حلقات ونشرت ٥ قصص راقتهم ونصحوني بإكمالها في كتاب للنشر الورقي، وجاءت أستاذة حنان بعد ذلك تخبرني عن مسابقة الدار وبصراحة أرسلت لي الكثير من الرسائل أن أنجزي وقدمي إلى أن أنهيت ١٥ قصة وأرسلت مجموعة حدثتني جدتي والحمدلله كانت مفاجأة لي أن تم اختيارها.
ما بين القضايا الوطنية والأدب، كيف نظرت كفلسطينة للأدب العربي؟
كفلسطينية كاتبة يدفعك جنون الكتابة وثورة الحرب إلى الصراخ بمعاناة الناس ووصف مشاعرهم فأنتِ الوحيدة القادرة على ذلك لأنك في خضم الحدث، وربما أنتِ الحدث نفسه ، كتبت قصص قصيرة عن الحرب أو العدوان الأخير على قطاع غزة، أعتقد أن الكاتب الفلسطيني وحده الأقدر على وصف معاناة الحرب والقضية لأنه يعاصرها ويكتوي بها.
يروقني الأدب العربي بكافة أشكاله وبطبيعتي الفلسطينية أميل أو أتعاطف مع التي تسرد قضايا الشعوب، التي تصف معاناة شعب ما بعد حرب أو نكبة، كذلك أحب الأدب الساخر جدا لأنه بمثابة حصانة للكاتب للبوح بكل ما يشاء دون أي مساءلة قانونية، أجدها حيلة ذكية للتمرد على الوضع العام للبلاد.
أحب كتابات أحمد خالد توفيق، محمود درويش، نزار قباني، واسيني الأعرج، أحلام مستغانمي، مريد البرغوثي، مصطفى البرغوثي، رضوى عاشور، المنفلوطي وغيرهم الكثير
هل تأثرت الكتابة العربية والعالمية بواقع الكُتاب الفلسطينين؟
نعم، تأثرت فأصبحت القضية موضوع لرواية أحدهم أو مطلع في قصيدة آخر، وإن لم يكن هذا وذاك ضربوا بها المثل بين السطور واقتدوا بها، وأحدثهم أيمن العتوم بعد هروب الستة أسرى من سجن جلعوم الصهيوني أعلن عن انتظار روايته الجديدة ستة التي ستكن مقتبسة من حياتهم.
كيف ظهرت بوادر الموهبة الأدبية لديك؟
أتذكر أول قصة أدبية مكتملة البنية كتبتها في الصف الثالث الإعدادي لدرجة أن المعلمة جعلتني ألقيها على الطالبات وطلبت منهن البنية الصحيحة كخاصتي ومنذ تلك اللحظة أحببت الكتابة والتأليف وخوض غمار الخيال، وما يستدعي الذكر أن الفضل في تعليمي مهارات القواعد اللغوية الصحيحة يرجع للأستاذ عبد القادر الداعور مدرس اللغة العربية درسني من الصف الرابع الابتدائي وحتى السابع، كان يجعلني أعرب كل شيء ويشرح لي اعرابات لم تكن من ضمن المقرر الدراسي، أذكر جميع التحديات التي كان يضعها ويستفزني لحلها.
لماذا اخترت دراسة الكيمياء الحيوية ولم تكملي التخصص بالدراسة الأدبية؟
وقتها كنت أرغب بدراسة الطب كان حلمي لكن معدلي كان ٩٠ ٪ فاخترت الأقرب لهدفي الأساسي وفي أثناء دراستي اعتنيت بموهبتي فكنت أرتاد مكتبة الجامعة الكبيرة وأستعير كتب الأدب لدرجة أن أمين المكتبة كان يظن أنني أجري أبحاثا في قسم الآداب.
كيف تصفين الوضع في جباليا من دعم المواهب الأدبية ومقارنته بمصر؟
جباليا مدينة صغيرة لا يوجد بها مركز أو مكان للعناية بالمواهب الأدبية وإن قلنا قطاع غزة ككل فلا يوجد مقارنة في دعم المواهب وإلا فلن أتجه للبحث عن الدعم والنشر في الخارج، أما مصر تأخذ بيد الموهوب مهما كانت بساطة ما يكتبه فلعل له جمهور أو محبين فيبتدع أسلوب أو مذهب أدبي جديد، مصر تتيح الفرصة للجميع لكن في قطاع غزة لا أعرف سوى مكتبة ومطبعة سمير منصور تهتم بطباعة الأعمال الأدبية لكنني صراحة لا اعرف تفاصيل ذلك وصدقا عرفت بأنها تقوم بذلك مؤخرا.
ذكرتيني في مقولة لكاتبة غزاوية صاعدة اسمها صابرين عسكر تقول
عندما سأشتهر لن أقول شكرا لوطني ومؤسساته ووزاراته بل سأقول شكرا لابي وامي ولزوجي ولأصدقائي، لأنهم هم الدعم الحقيقي.
هل استطاع الأدب العربي تسليط الضوء على القضايا الوطنية والمجتمع بما يناسب حجم المشكلة؟
طبعا وبقوة، مثلاً واسيني الأعرج قام بعرض التأثير الذي ألحقته الحروب الأهلية في الجزائر على عائلة كعينة من المجتمع الجزائري، مثال آخر رواية ميدان التحرير إصدار ديوان العرب، تسلط الضوء على أحداث الثورة المصرية، مجموعة أستاذة أميرة اسماعيل لأجلها سأصمد مجموعة قصص وتجارب واقعية لضحايا ثورة أو حرب أو عدوان ما، مجنون المدينة أيضا من إصدار ديوان العرب يعرض فيها الكاتب جزء من واقع التفكك اليمني بسبب الحروب الأهلية، رجال في الشمس لغسان كنفاني تعرض واقع المواطن الفلسطيني الهالك الفقير الذي يخاطر بحياته لأجل لقمة عيش مغموسة بالذل والدم، لحظات مفقودة لمي حسام أبو صير أيضا تحكي واقع حادثة غرق عبارة السلام المصرية، واحة الغروب سلط فيها الكاتب الضوء على حالة اجتماعية فريدة في بقعة من بقاع مصر، وغيرها الكثير من الأمثال.
إذن فالأدب العربي ما هو إلا صورة للواقع سواء اجتماعي، وطني، ثوري وهكذا.
كيف كانت كواليس اول عمل أدبي نشرتيه على الإطلاق؟
أول عمل أدبي فعلي كان نوفيلا الحقيقة ليست مرة دائما، كنت أكتب خواطر على. صفحة شمس الكتب ولكن لاحظت أن هناك من ينشر روايات على شكل حلقات فقلت سأنشر كذلك، سألوني جاهزة أخبرتهم نعم، لكنها لم تكن كذلك وكنت اكتبها حلقة حلقة وبعد الانتهاء اقرأها لزوجي ثم أقوم بنشرها، الجميل هنا أنه مع اقتراب النهاية علق الناس بتوقعاتهم فاستفدت من ذلك في جعل النهاية خارج كافة التوقعات.
أول عمل تأثرت جدا بقصة إحدى نزيلات الملجأ الذي عملت فيه فكنت أكتب بشغف وأحاول أن أنصفها بين ثنايا الورق.
ما الفارق الذي نجده عند الاعتماد في الحبكات على القصص الواقعية والخيالية؟
سؤال جميل، الحبكة الواقعية تستدعي تفكير وتركيز القارئ فيكون بكامل حواسه أمام الحبكة؛ وهو الوحيد القادر على الحكم بصدقها ومنطقيتها أم لا.
أما الحبكة الخيالية فمهما حاول أن يبحث في منطقيتها تبقى خيالية ويحق للكاتب فيها ما لا يحق لغيره لأنها محض خيال.
من وجهة نظري الواقعية تقرب الطريق بين الكاتب والقارئ مع الأخذ بعين الاعتبار المجهود الإضافي الذي يقع على عاتق الكاتب لجعل القارئ يصدق حبكته ويقتنع بإمكانية تواردها على أرض الواقع، وطبعا تتمايز نوعية الحبكة حسب النوع الأدبي للرواية.
عندما كتبتي كتابك حدثتني جدتي، كيف اعتمدت فيه على الأفكار والأسلوب الادبي؟
يحتوي الكتاب مجموعة لا بأس بها من حكايات جدتي فعلاً وكل من يعرفها عندما قرأ أول قصص من المجموعة كان يبتسم ويتذكر الموقف وكأنه أمامه تماماً، فبعد وفاة جدي رحمه الله كانت توازن في إقامتها بين بيتنا وبيوت أعمامي وفي تلك الإقامة كنا نجد الكثير من التسلية والدفء والمرح؛ فكانت تسرد الحكايا وتذكر لنا نهفات وقصص زوار بيتها وضيوفها في غابر الزمان، وجزء آخر كان إلهاماً من ماضٍ أو زمن عاشت به جدتي، والجزء الأخير كانت عبره من الواقع لكني نسقتها بطابع حكايا شهرزاد التي تجذب لب القارئ وتشده نحو ماضٍ اشتقناه كثيراً.
أما الأسلوب الأدبي فاستخدمت أسلوب يشابه نوعاً ما أسلوب المقامات كمقامات بديع الزمان الهمذاني الغنية بالسجع والمحسنات البديعة وعذب الكلام وأخيراً الحبكة المضبوطة والنهاية المستحقة لكل قصة والتي لا تخلو من الفكاهة في قسم القصص الفكاهية. أحب هذا الأسلوب وأشعر أنه يشدني نحو حلقات حكواتي الحارة فأحببت أن أُعيد الحياة من جديد لهذا النوع.
سيدخل القارئ للبيت الفلسطيني القديم بتقسيم الحكاية فثلثها الأول خصصته لذكر تقليد فلسطيني متوارث أو أكلة فلسطينية تقليدية لتوثيق التراث الفلسطيني في الأدب العربي، أما الثلث الثاني فللقصة وتصاعد أحداثها وأخيراً النهاية التي تنوعت ماهيتها حسب نوع القصة وفكرتها والصراع القائم. في نهاية كل قصة سردت العبرة بطريقة أدبية سلسة لا تخلو من المتعة.
كيف بدأت فكرة حدثتني جدتي، ورحلة نشره ورقيا؟
كما تعلمين بدأت بالنشر في مجموعة شمس الكتب الأدبية بدأت أولا بنوڤيلا الحقيقة ليست مرة دائما على حلقات يومية، ثم خواطر وارتجالات ضمن مسابقات كنت أحصل على المراكز الأولى الحمدلله، ثم أخيراً قمت بكتابة قصة من حكايات جدتي والدة أبي وتفاجأت أن الأسلوب لاقى إعجاب الكثيرين وطلبوا مني المزيد فكتبت أربع قصص بعدها وقمت بنشرهم لكن بعض الأصدقاء المقربين وأخص بالذكر ذكرى الكشباطي، هبة إمام، وحبيب السعيد ألحوا على أن تكون هذه مجموعة قصصية وأحتفظ بها للنشر الورقي لأنها تستحق.
وتأتي بعدها الأيام لتكلمني صديقتي الكاتبة لدى دار ديوان العرب أ.حنان حنفي أحمد، وأخبرتني بمسابقة الدار للنشر المجاني وحقيقة كانت كل يوم تقريباً تطمئن ماذا حدث، أكملت المجموعة إلى أن أصبحت ١٥ قصة وأرسلت في آخر يوم لاستقبال الطلبات والحمدلله كنت سعيدة الحظ لانطلاقي في ركب ديوان العرب المشرف والراقي.
كيف وجدت الاختلاف ما بين النشر الورقي والالكتروني؟
النشر الإلكتروني جميل، باب أمل للكاتب بدون تكاليف عامة وبشكل سريع لكنه غير آمن كلياً وكذلك لا يصل للجميع ولا يعد ميثاق على وجود عمل فعلي للكاتب مع أنه يحفظ حق النشر للكاتب نوعاً ما، أما النشر الورقي متعة مختلفة، كتابك به سيدخل كل بيت سيتنقل بين أرفف المكتبات وسيجلس في أحضان كفين متلهفتان للقراءة، الكتاب الورقي توثيق لعمل الكاتب ونقطة في غاية الأهمية تُكتب في سيرته الذاتية.
انتشار النقد الأدبي وشهرة كتب لا تستحق ما رأيك في ذلك؟
والله النقد الأدبي ضرب جميل من ضروب الأدب وله أخلاقياته وأدواته التي تحتم عليك النقد للعمل دون مس الكاتب بأي سوء، النقد الأدبي مهم جداً لإعادة صياغة أفكار الكاتب وإعادة تنظيم بلورته الأدبية، وصقل أسلوبه بما يخدمه ويخدم القارئ.
اليوم نرى بعض الكتاب يسمون مديح الكتب والترويج لها نقد أدبي دون ذكر عيوب الكتاب مثلا وسقطات الكاتب فيه، انتشر هذا النوع كموضة مستحدثة لا تمت للنقد الأدبي بأي صلة، وكما ربطتي سؤالك الأول بسؤال آخر وكان ربطك في محله تماما فمديح كتاب لا يستحق يؤدي لانتشاره فيظن اللاكاتب نفسه كاتباً لا بل وأديباً من العيار الثقيل وهذه كارثة.
في بداية مشواري للنقد الأدبي كنت مجرد قارئة أتذوق الكلام والعبارات وأعزل عنها ما يشوبها من كدر التكلف أو التصنع أو اللا معقول، ازددت علماً في هذا المجال من التمرس والبحث والقراءة الغزيرة تحت إشراف الدكتور الفاضل: محمد وجيه الذي مهد لي الطريق لذلك واكتشف بي تلك الموهبة.
كيف تؤثر سياسات دور النشر على المحتوى المطروح بالاسواق؟
أرى أن بعض دور النشر متساهلة جداً في سياساتها بغرض الربح البحت مما أدى لتدني المستوي الأدبي المطروح بالأسواق للأسف، دائما أقول الكتابة للجميع، من حق الكل أن يكتب ولكن ليس على حساب القارئ فلابد أن نحترم عقول القراء ونصل لمستوى راقٍ يطمحون أن يقرؤوه.
كيف تأثرت بتجربة التعامل مع دار نشر؟
أكسبتني خبرة جيدة، أصبحت أبحث عن المعلومات، أتقصى أكثر حول مواضيع القصص، أجتاز الأمر نطاق الهواية وأصبح أكثر مهنية، فأنت الآن لا تمثل نفسك وإنما تمثل دار، كيان بأكمله، ولا سيما مع دار تعتني بالكاتب، تثري موهبته وتغذي تجربته، تقومه وتصحح زلاته الأدبية.
من تجربتك بالكتابة والنقد بماذا تنصحين المواهب الشابة؟
معظم المواهب الشابة ليسوا خريجي آداب، فقد يكتبون كهواية، نصيحتي أن يقوموا بتنمية الموهبة وصقلها من خلال دراسة البلاغة بأقسامها، تسجيل نقاط ضعفهم والبحث في تعديلها وتقويمها.
إياهم واتخاذ أسلوب أحد الكتاب الكبار بل يصنعون لأنفسهم أسلوب متفرد، القراءة ثم القراءة ثم القراءة، والتنويع في القراءة بين المجالات الأدبية المختلفة والتردد على حديثها وقديمها كذلك، فالقراءة وحدها من تكسبه المفردات والأساليب الجمالية وتُثقله بأفكار جديدة لم يتناول طرحها أحد قبله.
بالنهاية هل لديك إضافة لم يغطيها الحوار تريدين اضافتها؟
حوار مميز، أسئلة عميقة، قوية تنم عن قارئة نهمة ومطلعة لا يستهان بها، ختاماً أشكر دكتور محمد وجيه على وجه التحديد لما يقدمه لنا من علم وخبرات وتجارب ويخوض بنا نحن الكتاب غمار الأدب.
حوار/ أميرة إسماعيل
إقرأ أيضا لقاء مع الكاتبة مي حسام
إرسال تعليق