اليوم ننتقل لأرض عربية اشتهرت بتاريخ سبأ، وحضرموت، فاليوم نخوض مع الكاتب الصحفي عبد الحافظ الصمدي حوار خاص، نطلع فيه على رحلة الكتابة في عالم الصحافة والرواية.
الكاتب عبد الحافظ الصمدي
عبدالحافظ هزاع ثابت الصمدي، كاتب يمني وعضو نقابة الصحفيين اليمنيين وعضو مؤسسة أبجديات الثقافية التنموية، من مواليد فبراير 1982 ابن ريف محافظة تعز اليمنية.
شحة المصادر الثقافية في الريف جعلته في البداية متعلقا ومتأثرا بقصص المذاعة عبر الإذاعة ثم بعض كتب القصص التاريخية والروايات أمثال قصة واسلاماه والزير سالم وعنترة، وبعض روايات الكاتبة أحلام مستغانمي كعابر سرير وفوضى الحواس وبعض قصص الكاتبة جاتا كريستي، إضافة لكتب الشعر.
تخرج من كلية الآداب قسم الصحافة والإعلام جامعة عدن في العام 2005م، وتزوج في ذات العام وله ستة اولاد، ثلاثة أبناء وثلاثة بنات.
عمل سكرتير تحرير صحيفة أخبار اليوم اليمنية ثم نائب مدير التحرير لذات الصحيفة، كما كتب في عدد من الصحف اليمنية "الأسبوع، النداء، الثقافية، الشموع، 14 أكتوبر، صحيفة الجمهورية" وكذلك عمل في إدارة تحرير عدد من المواقع الصحفية الإلكترونية.
بدأت تلازمه هواية الكتابة مبكرا وكان حينها لا يزال في التعليم الأساسي، حيث كتب على قصاصات الورق ليقرأ زملائه بالمدرسة وبعض من أبناء الريف في بلاد الوافي.
انشغل بالعمل الصحفي عن استكمال بعض أعماله الروائية حيث كان يكتب الشعر والقصص الأدبية في عدد الصحف اليمنية.
في يوليو 2019 تعرض للاعتقال في اليمن بسبب العمل الصحفي وظل، وراء القضبان عشرة أشهر تعرض خلالها للمحاكمة ثم تم الإفراج في مايو 2020، ومنذ خرج من المعتقل عكف على كتابة الروايات فصدرت له رواية سائحة تحت الحرب عن دار عناوين بوكس في يوليو 2021.
ثم رواية عفاريت سليمان عن دار ديوان العرب للنشر والتوزيع، وبعدها رواية مجنون المدينة عن ديوان العرب أيضا وهي الرواية التي فاز بها بدرع أفضل كاتب للعام 2022 وفقا لمسابقة أجرتها دار ديوان العرب بين عدد من الأدباء.
كما يمتلك كتاب شعر مخطوط، ورواية مخطوطة تحمل اسم "الحب في أرض ملغومة" ورواية أخرى مخطوطة تحمل اسم "راقصة في المعبد".
اليوم لنتعرف أكثر على الكاتب عبد الحافظ الصمدي برحلة عبر الفكر والنقاش
كيف نظر الزملاء والمعلمين لطفل بمرحلة الابتدائية يهوى الكتابة؟
زملاء المدرسة والمعلمين كانوا مندهشين من قصص اكتبها على الورق المسطر لكراسة المدرسة وكانوا يشجعوني ويتناوبون على قراءتها ومازال البعض يحتفظ بها للذكرى، وبالمناسبة عندما صدرت روايتي الأولى ذكرني الزملاء بعناوين قصص كتبتها في الطفولة وقد كنت نسيتها ومن هذه العنوانين" حتماً نفترق، أحببت كفاً بالسم أسقاني، الأميرة علياء على بوابة الهياج، وهذه الأخيرة من قصص الفانتازيا حسب تصنيفي لها الآن لأنها كانت في وقت لم أكن فيه أعرف أن لمصطلح الفانتازيا مجال في الأدب.
أتذكر ان قصصي كان العشاق يتداولونها في الأرياف ذكورا وإناثا وبعضهم يحرص على أخذها للمدينة لتصويرها للاحتفاظ بنسخة خاصة وكأنهم وجدوا في طفل صغير مشروع إبداعي يروي نهمهم بالقراءة أو يسد فراغ في وقت لم يكن هناك سوى الكتب الدينية الموحهة تغزوا الأرياف وتجلد المجتمع بسياط التكفير.
ولعل ما شد انتباهي فيما بعد الاحترام لهذه الأعمال فمن قرأ قصة حافظ عليها حتى يأتي الدور لصاحبه التالي في القراءة.
كان والدي حفظه الله يمنحني وقتا للكتابة ولم أجده يوما متذمرا بأنني أضيع الوقت في كتابة قصص على القصاصات فحسب، ووالدتي- حماها الله ورعاها- هي الأخرى كانت تترقب إنجاز القصة قيد التأليف لتكون هي أول من أقرأها عليها كونها لا تجيد القراءة وفعلا كان موقفها ذاك يشعل في الكاتب الصغير الغرور والانتشاء كما كان لي منذ صغر حبيبة لأجل عينيها تمرَّس قلمي على الكتابة.
اليمن تعرف بالبلاغة والفصاحة، كيف أثر هذا على قلمك وكتابتك؟
ربما كان الخيال الواسع مبكرا هو النهر الذي تدفق بي نحو التذوق الأدبي فعشقت اللغة العربية ومعانيها ولعل أكثر كتاب دراسي مان ملتصقا بي هو كتاب البلاغة كنت أقرأ منه متذوقا قبل مراجعة أية كتاب آخر وكأنه يفتح لي الشهية للإطلاع الى درجة ان طلبت من والدي ان يشتري مرجعا في البلاغة كان يدرس حينها لطلاب اللغة العربية في الجامعات في حين كنت في الصف الأول الثانوي وفعلا اقتنى لي الكتاب جزاه الله خيرا...طبعا اليمن خصبة بالحنين ومحفزة للإبداع، يبدو ذلك حتي في تضاريسها وملالاة رعاة الغنم أهازيجها الشعبية والمدائح النبوية كلها تجعلك ملتصقا بالفن والأدب، غارقة هي في الشجن الممتد من إطلالة الميلاد حتى آخر شهقة للغروب، فهذه البلاد وطن يشعر الجميع بالأمان حتى أولئك الغرباء الذين وصلوا إليها للتو..
لم تنحني أبدا أمام الصراعات المؤسفة، فيما تبدو الحرب والأزمات فيها كمشاهد درامية تجري على أرضها لا أكثر، اتمنى يعم فيها الخير والسلام.
الكتابة رسالة، كيف تصف تلك الكلمة من خلال تجربتك بالصحافة والكتابة الروائية؟
الكتابة هي الرسالة الأقوى والصوت المسموع في هذا العالم الغارق بالصغب وفوضى اللهجات العامية التي تمزق اللسان العربي بالتوازي مع التمزق الجغرافي ومحاولات فرض التطبيع على الانسلاخ عن الهوية.كانت تجربتي في الكتابة الصحفية أشبه بمغامرات نضالية للارتقاء بوعي الناس والخروج من بوتقة السير مع القطيع ولعل المغامرة ممتعة مهما كانت متعبة، فمن يمتطئ صهوة القلم لا يهمه المصير، أما تجربة الكتابة بقالب القصة والرواية بين دفتي كتاب لا على أوراق الجرائد والمجلات، فهي تعني اكتمال الثورة ونضج الوعي في التنوير وإعلان واثق بأنه لم يعد هناك أصنام غير قابلة للرجم.
كيف يمكن وصف العمل الصحافي بداخل اليمن ما بين الماضي والحاضر، في ظل الوضع الراهن والحروب؟
كان العمل الصحفي في الماضي ينهض ببطء وسط تعقيدات جمَّة كما هو الوضع القائم في كثير من الدول العربية واليمن إحداها، أما اليوم فالعمل الصحفي في اليمن يلفظ أنفاسه الأخيرة وصحافيون كثر وأنا أحدهم فقدو عملهم ولم يعد بمقدورهم استئناف العمل الصحفي في بيئة ملغومة، صار فيها بمقدورك أن تجوب الشوارع حاملا بندقية لكن أن تمشي حاملا كاميرا فتلك محاولة انتحار مجنونة، حيث صار القمع يلازم العمل الصحفي في كل مكان.والمصيبة المرة أن من فقدوا أعمالهم بالصحافة صاروا يكابدون لاجل العيش ببدائل لم يألفوها ويكابرون أمام الآخرين وإن كانوا غارقون بالتعاسة..الورطة تزداد عمقا والخذلان ينسج حولهم خيوط الإحباط.
وأين أصبح دور منظمات الاستقصاء الصحفي العالمية والعربية من مواجهة مشكلات الصحافة باليمن؟
في الحرب تسود الفوضى، والعالم الذي لم ينتصر لأشلاء أطفال تناثرت تحت القصف ولم يوقف توحش دمر المآثر والمدارس وفتك بالشيوخ والنساء وطال احتفالات الأعراس وقاعات العزاء لم يفعل شيئا لقضايا الإعلام.جل ما نود في ظل هذا الجلبة المجنونة، ألا تسلخ الحرب الإنسانية وألا يفقد المحارب إنسانيته عند أول رصاصة يطلقها، وألا تمتد حبال الاستغلال في البلد المنهك.
كيف كانت البداية مع سائحة تحت الحرب واسلوبها الأدبي؟
"سائحة تحت الحرب" رواية اتسمت بجرأة الانطلاقة وسرعة أدب الرحلات.. ركزت في مضمونها على التاريخ اليمني إبان الحضارة الحميرية والفنون اليمنية القديمة وتضمنت مصطلحات لم يتضمنها المعجم السبئي -حسب قراءة الباحث التاريخي رياض الفرح- تخللتها قصة عشق بين باحثة جزائرية وباحث يمني تعرفا على بعض في جامعة السوربون بباريس وهناك ابتدأت القصة لتشتعل على أنقاض معالم آثرية تندثر مع جنون المغامرة أثناء إجراء بحث تاريخي وسط الحرب المشتعلة كنا تطرقت لبعض من قصص التاريخ الجزائري والمصري وانتهت الرواية بنهاية لا يتوقعها القارئ هي الحلقة الأولى واعتبرها ميلاد عهد جديد بالنسبة لي .فمن ضمن تطرقها للتاريخين المصري والجزائري هذه اللفتة البسيطة: حيث البطلة " لم تُبدِ ارتياحاً أن يصورها بالملكة "سيلينا" ابنة قيصر التي جرفتها الأقدار إلى عرش الجزائر بسلاسل الرومان وهي متقدة ثورة ضد ملوك روما وحنيناً لعرش أمها المقهورة "كليوباترا" في مصر .. فهي لا يهمها أن يكون كالملك "يوبا الثاني" الذي يمكنه أن يخلد حبها تاريخيًا ويبني لها هيكلًا ضخمًا شرق القصر.. كما فعلها "ابن عنابة" بمدينة تيبازة لتخليد قصة حب أمازيغية ـ فرعونية.. إذ أن هنالك فرق بين أحداث بدأت حلقاتها في الأربعين ما قبل الميلاد وواقعنا اليوم بعد الألفين عاماً من الميلاد.
مقتطفات من الرواية:
أترجَّل اليوم عن سماوات عينيك في ذكرى معراجك المقدس، تلك ليلة غامضة امتدت طقوسها الحافلة بالحنين حتى منتصف العشق وتلاشت عند القُبلة الأخيرة من مطلع الفجر وكأنَّ قلبي أتقن دور البراق دون جناحين وظلَّ يُحلِّق في متاهات تنسجها الغيوم بين خيوط القمر وتراتيل الشهقة الأولى، وما أشرقت الشمس إلا وأنتِ حرفٌ أساسيٌ في الأبجدية.
كان الجو جميلاً وسط الصقيع المتسلل من غفوة الليل وزقزقة العصافير تحاول جاهدة أن تبدِّد شعوري بالتضجُّر والندم والحرج..
الورطة تزداد عمقاً والغسق كان يتلاشى شيئاً فشيئاً وأوراق الزرع في الوديان تستقبلني ببصيص يقاوم الغبش ولا زالت حبات الطلِّ على أوراقها..
الفجر كان يجثم بسطوة الصمت لم أرَ على امتداد الطريق سوى رجلين فقط أحدهما كان يتمتم بكلمات التسبيح وأصابعه تستمتعان بحبات مسبحة تتدلَّى من يده كعنقود عنب، وآخر كان يطارد القرود في الجبل حتى لا تفسد المحصول.
٢٥٠٠سنة والشعب اليمني متمسك بالجنبية،وكأنها موضة العصر،فلا يمكن لهذا الشعب أن يتخلى عن سيادته وهويته وأراضيه مهما كانت محاولات الغزاة الجدد..
تلك لحظة دافئة خلقت بعمري فصولاً أخرى للربيع وإن لم تنتبه لها عقارب الساعة.
كيف اختلفت عفاريت سليمان عن سائحة، ولمَ اتجهت بها للنشر مع ديوان العرب؟
رواية عفاريت سليمان هي الحلقة التالية لرواية سائحة تحت الحرب بل هي تكملة لها عدا انها ركزت في مضمونها على الجانب الإنساني وبدت فيها تفاصيل الشخصيات والأماكن بصورة أوسع وفيها إثراء في الحوار ورصانة في الحبكة بشكل أقوى..
رواية عفاريت سليمان اعتمدت على الفلاش باك أو ما يسمى بالاسترجاع الفني حيث بدأت الرواية من الحدث الغامض والمثير وهذا الحدث مكانه المفترض في المنتصف لكنني عمدت على جعله البداية بطريقة تثير الاستغراب وتسحب القارئ للغوص في أعماق الرواية
البداية " رفعت تنورتها وهي تنظر بين قدميها، ثمَّ أعادتها بسرعة وهي تضغطها على جسدها المُنهك بكلتا يديها المرتعشتين، وكأنَّها تحتضن طفلًا جريحًا.
بدأت تصرخ طالبة النجدة، ولا شيء يجيبها سوى صدى الصراخ المتردد في جنبات الصمت الثقيل.
سكتت برهة وهي تتنفس بقوة وكأنَّها أدركت عدم جدوى العويل، ثم أشاحت ببصرها بعيدًا نحو السلاح النائم في الكهف تحت التلَّة.
"نعيمة جبريل" الفتاة البالغة من العمر 24 عاماً- والتي يصفها أبناء قريتها بالممثلة الأميركية الشهيرة "أنجلينا جولي" بسبب التشابه الكبير بينهما في تقاسيم الجسد والملامح عدا أنَّ نعيمة ذات بِشرة سمراء-، تبدو قرَّرت المواجهة أخيرًا، لكن بسلاح لم يخطر على بال أحد، حتى رفيقاتها اللاتي هرعنَّ على صراخها أُُصِبنَّ بالدهشة.
يَحدُثُ هذا بعد لحظات فقط من لقاء جميل جمعها بحبيبها "سليمان سيف الفُريخ"؛ إذ كانت للتو، تقف على منتصف الحنين تقاوم وطأة لهفة ليس بمقدور المسافات ولا دوي الرصاصات أن تهزم نشوتها.
واسمحي لي أن اعطيك اقتباسات من المنتصف" ارتكبوا الجريمة ببطء وبكل اطمئنان وكأنَّهم يتجولون في حديقة فيغلاند، عدا أنَّ أيديهم لم تكُ في جيوبهم ولكنَّها كانت على الزناد. كان هذا قبل أن تتحوَّل قرى البلدة إلى مُنطلق لثورة مُسلَّحة أو كما يسميها ذو الأكتاف تمرُّدًا. بتثاقل الحيَّة الرقطاء وبدم بارد راح المجرمون يطلقون الرصاص تجاه الناس في البلدة، في قباب الغطارس المنطقة المهجورة بالحبيل والتي لجأ إليها الأهالي فرارًا من البطش والتنكيل، ساوى المجرمون بين الجميع في الرعب؛ لا فرق بين طفل وامرأة، شاب أو كهل، مُسلَّح أو أعزل، مرضى وأطباء، سافرات ومنقبات، جرحى وأصحاء، حتى المستغيثون بهم والمتوسلون الرحمة من قتلة لا يعرفونها، تم قتلهم، فتحوا النار على كل من يصادفوه في طريقهم، أحالوا المكان إلى كومة أشلاء مكتظة برائحة الدم والبارود.
لحظات واشتعلت المدينة بالمواجهات ووصل الفارون من المعتقل إلى المكان المحدد سلفا، فأووا إلى جبل يعصمهم من الرصاص المُعربد في أزقة المدينة والقذائف التي تجوب السماء قبل أن تحطَّ برعبها ويتلاشى دويَّها على كارثة في انتظار الكارثة التالية.
هذه الليلة كانت المدينة على ذات العادة المتجددة فيها من حين لآخر.. ارتدت درع الشَّر وانتعلت حوافر الشرود وفتحت جنباتها لمراهقي ذوي النفوذ، والفارون من المعتقل والأهالي مبعثرون فيها يستنشقون رائحة البارود المتطاير، يتراقصون على ايقاعات تعزفها الرصاص، كلما أضاء لهم إنفجار قريب مشوا دون التفكير بالدوي القادم إن كان يحمل شظايا أم لا، يتمايلون مع تراجيديا الكارثة المقبلة، يتابعون تفاصيل حصيلة الحماقة الملعونة وتدفق الدم ولا تعنيهم إحصائيات الضحايا، ولا عدد سرب نازحين مرَّ قبل قليل من أمامهم مرتجفاً وأيديهم على أذانهم حذر الانفجارات المتتالية.
اخر فقرة في الرواية
وضجَّ المكان بالتصفيق مع نهاية أحداث الفيلم ليُسدل الستار عن واقع مرير وبقايا دموع تغفو على مآقي تنتظر في زوايا الجرح قدوم التعافي المتسلِّل من ثنايا الفجر بذراعين مفتوحتين تتماهيانِ مع العويل المتلاشي وتمتدُّ بينهما البُشرى كقوس قزح.
الشق الثاني من السؤال..
استطيع القول كانت ليلة قدر حين اهديت إلى دار ديوان العرب.. سلاسة في التعامل، يهمهم أن الكتاب ينشر اكثر من اية شيء آخر..
استطيع القول: ديوان العرب هي طوق النجاة لكتاب التهمتهم دور النشر العربية وتركتهم يعولنها كما لو أنها وجدت لتقتات على الكاتب الذي يؤلف ثم يبحث عن عمل لسداد نفقات باهظة تطلبها الدار للأسف.
كل التحايا لرئيس مجلس الدار الأستاذ محمد وجيه..
ما رأيك في مسابقة أفضل كاتب ونتائجها؟
فيما يخص الفوز والمكافأة بترجمة الأعمال كانت موفقة كون الترجمة كانت حلم بالنسب لي.وأخيرا أشكر حضرتك والشكر موصول لدار ديوان العرب وإدارة الدار وطاقمها المتميزين
مجنون المدينة والفائزة بالدرع، كيف بدأت رحلة تلك الرواية وسبب تلك التسمية؟
رواية مجنون المدينة اتسمت باثراء أكثر من روايتي سائحة تحت الحرب وعفاريت سليمان من حيث الوصف والسرد والحوار كما اتسمت بفن الفلاش باك بصورة أكبر وجمعت بين الواقع والفانتازيا والعشق والمغامرة مطاردة مع شبكة تهريب آثار وحرب أسطورية بين ممالك الجن، معركة أحد طرفاها بندقية والطرف الأخر قلم ويظل الإنتصار يساوم كثيرا حتى يقرر اي طرفا يكون له حليفا..
إنها -حسب قراءة الدار-، ملحمة من الفانتازيا المثيرة وكأنها لم تكتب بيد كاتب واحد.
لا أريد أن أفصح عن سر التسمية لكن ممكن للقارئ المتفحص ان يستشفه من هنا:
"صناعة الانتصار لا تقاس بالزمن ولا بعدد الانتكاسات لكنَّها قد تتلخص في النهاية في ست كلمات فقط"..
الفتاة العائدة من إيطاليا تغرق في ثأرات القبيلة، تتحسَّس أذنها المقضومة وهي ترى أباها حيًا ينثر أوجاعه على بقايا الكراتين، تنهار أمام مأساة عاشق تحمله الذكريات دونما قدر ويبحر بها بلا أشرعة، تغوص في كلماته: "حين تُعلِن المصطلحات التمرُّد، يستبيح النَّص العواطف وتُزهق روح القصيدة بين الأصابع..".
تسرق الأوجاع منها أجمل اللحظات، والقادم معبأ بالنحيب وحشد مهيب لجنازة واحدة بقتيلتين وضحايا آخرين على أرصفة الوداع.
ليبرز التساؤل جليا: كيف وقع "الكبار" في فخ الرجل العجوز، ليعلن "مجنون المدينة" الإطاحة بالزعيم..؟!.
اقتباسات من رواية مجنون المدينة
كان "ماهر" هو الآخر يدرك حجم الورطة التي يعيشانها معًا حين قال لها: "صدقيني إن المرأة التي كنت أحلم بها هي أنتِ لكن الرجل الذي تحلمين به ربما ليس أنا"، كوني روحي التي أحبها دون مقابل، كوني مثل كتاباتي التي صنعت تاريخي ورسمت لشخصيتي ملامحها وخلقت هويتي والانتماء، تحملني دونما قدر وأبحر بها بلا أشرعة، تربطني بها علاقة حميمية منذ أول وهلة للحنين حتى آخر دمعة للغروب.. لست مستعدَّا أن أخسرك حتى لو لم تكوني لي، فما بيننا ليس ضيقًا كخرم إبرة بل أعمق من البحر وفسيح كالسماء".
لم ينتظر منها رداً، فعاجلها بإضافته: الحب أكبر من أن يظلَّ يتنفس تحت غطاء السرير ويموت إن هو تجاوز حافته.
"هل كنتِ إلا إحدى المدائن التي لا تقبل التلوث بأخطائنا وتعاف أحبابها إذ يفسدون، فهذا جنون؛ رحيلك سيدتي جنون، ففي جنباتك ألف قلبٍ حنون وأطفال تصرخ بالبكاء تتوسلك البقاء، وألف شبَّان هنا ومنهم أنا، بالأسى يجهشون، وصارت كل العشائر محشراً واحداً يرجوك البقاء ويدعوك أن تمكثـين، حتى العصافير وكتاكيتنا الوديعة تدعوك التخلي عن هذا الجنون.
كيف ترى تأثير الأدب الروائي على تفكير الشعوب، وهل يمكن أن تصبح الرواية مصدرا تاريخيًا؟
نعم وإن اختلفت أسماء الشخصيات فهي اسماء مستعارة للضحايا..
في الرواية قد تجمع قضايا إنسانية مختلفة ومتفرقة لكي يتم سردها بقصة واحدة لتبرز المعاناة بشكل تحقق فيه أهداف القصة.
عندما كتبت مجنون المدينة، هل يمكن القول أنها ترجمة لحال الأوضاع في الدول العربية، وصراع للثقافات؟
استطيع القول: ترجمة لحال جانب من الأوضاع في بعض الدول العربية.وإليك هذه الاقتباسات من الرواية:
- "أية حياةٍ ياتُرى، نعمِّرها على وطنٍ يلوذ من فجائعنا بالرحيل".
- "خنجره ملطخ بدم البراءة، وأشلاء ضحاياه هنا والنحيب ممتد إلى حيث الجهة الأخرى لسقوط المطر"..
- إنَّها ليست مكتوبة على ورق إنَّها محفورة بالذاكِرة.. إنَّها قِصَّتي أنا، تبرهن كثيرًا: "إنَّ أول المتهمين بالخيانة والعمالة هم الأكثر ولاءً للوطن".
علَّقت ".. ": تبدو مُهتمًا بهذه القِصَّة.. إنني شغوفة لسماعها منك.
مطَّ ".." شفتيه وراح يسرد تفاصيل الوجع الممتد لعشرات السنين لينكشف للفتاتين سِرَّاً ينبثق كالريح ليبرهن لهما كيف تكون تعرية الخونة الحقيقيين وإنصاف المتهمين ظُلماً بالخيانة:
- تبكيني الفرحة.. أليس للفرح صوت البكاء ودموعه؟.. ثم رفعت وجهها قليلاً من صدره لترى عيناها جزء من وجهه وأردفت: "هناك فاصل رقيق بين نغمة الأنين والحنين.. إنَّها صدفة مملوءة بالمفاجآت الجميلة، لقد جعلتهم ينسجون مصيرهم بهدوء ويخططون بإتقان لنهايتهم المشؤومة.
فارقت صدره بسرعة وأمسكت ذراعيه بيديها وهو واقف أمامها كشجرة النارجيل، وراحت تهزُّه وعلى وجهها إبتسامة تعبِّر عن الإعتزاز وهي تقول: "سأكون معك، أعِدْ تربيتي من جديد كيفما تشاء وانفخ في جسدي بعضاً من روحك.
كيف ترى مستوى الأدب العربي في الوقت الحالي؟
الأدب العربي يزداد انفتاحا ويواكب بانسجام ثورة الوعي التي تشكلت مؤخرا وبدأت تهدم الأصنام الفكرية التي سوقت للخرافات بأغلفة دينية والتي ظلت ردحا من الزمن تكرس عبر جرعات ثقافية على أنها من المسلمات.
ما الأعمال التي ستقدمها الفترة القادمة بعد نجاح مجنون المدينة؟
لدي أعمال مخطوطة تحدثت عنها آنفا، أنوي إخراجها إلى النور، ثم ترجمة الأعمال إلى اللغة الإنجليزية.كما إني أنوي إطلاق مشروع ثقافي باليمن عبر آليات لاكتشاف مبدعون في الكتابة والتأليف سيما في المدارس، لم يحالفهم الحظ في الظهور، وأتمنى أن اجد من يستحسن الفكرة ويدعمها.
هل تري وجود صراع بين الكتاب الإلكتروني والورقي؟
يفرض الكتاب الإلكتروني نفسه منافسا فعليا للكتاب الورقي إلا أن القراء العرب يستمتعون بالقراءة من الكتاب الورقي.
كما يرى القراء بالكتاب الورقي طابعا رسميا موثوقا فيما لا يفرق بين مضمون الكتاب الإلكتروني والمنشورات على مواقع التواصل الإجتماعي ربما بسبب انتشار كتب إلكترونية كثيرة خارج دائرة دور النشر.
يرى القارئ أن الدار تقوم بمساعدته في اختيار الكتب التي تستحق القراءة ليقوم هو بمرحلة اختيار أخرى لانتقاء كتاب ما من بين الكتب المختارة من قبل الدار حتى لا يتوه في كميات الكتب المنشورة ويضيع وقتا وهو يقرأ حتى ينتقي.
ربما في القادم القريب قد يهيمن الكتاب الإلكتروني لكن ذلك لن يكون إلا مع وجود ضوابط لتنظيم العشوائية حتى لا يتوه القارئ فيما ينتقي من بين الوفرة غير الموثوقة.
كيف ترى نشاط دور النشر في كثرة الكتب الغير جيدة بالسوق؟
دور النشر لها نشاط متصاعد والكتب التي تنشرها بعض الدور مقابل تحمل كاتبها التكاليف ليست مصدر قلق لأن هذه الدور ليست محل استقطاب قراءهل يمكن توقع نهوض أدبي في الفترات القادمة؟
المعطيات تشير إلى توسع النهضة الفكرية التنويرية يوازيها نهوض أدبيما النصيحة التي توجهها للناشئين من واقع خبرتك وتجارب الحياة؟
الكتابة مبكرا وعدم الاستعجال بنشر أية عمل جاهزة إلا بعد تركه فترة طويلة ثم العودة لقراءته لمراحل عدة..القراءة بصوت مسموع للعمل المخطوط من فترة لأخرى.
مراجعة الكتاب بعد التدقيق اللغوي لأن المدقق قد يغير او يحذف دون انتباه.
عدم إمضاء العقد مع أول دار يتواصل معها.. إلا إن كانت شروط العقد مقبولة.
التعاطي الإيجابي مع القضايا دون التأثر بأبعاد دينية او مناطقية والتركيز على الأفكار التي تؤسس لمنطلقات جديدة هادفة.
الكتابة بلغة مفصحة بمعنى أنها مقاربة للغة التي تكتب بها الصحافة بحيث تكون عربية مفهومة.
حوار/ أميرة إسماعيل
إقرأ أيضا حوار مع الكاتبة سارة فراج
إرسال تعليق