الكتابة مواجهة وثورة من الأفكار ضد القيود، تعرف هذا في لقاء مع الكاتب محمد السيد رحمه، ورحلة في الرواية العربية.
محمد رحمه
هو محمد السيد رحمه، 39 عام، روائي مصري الجنسية، مقيم ويعمل خارج مصر
رواية عابر
كانت رواية عابر هي أول الأعمال التي كتبها وامتازت بطابع الفانتازيا، دارت أحداث تلك الرواية حول صراع الإنسان لمواجهة نفسه في إطار من الأحداث التي مزجت بين (الرومانسية وحقيقة الإيمان والإلحاد، والفلسفة، ولم يخلو العمل من لمحة الرعب المثيرة في كثير من الأحيان).
رواية منزل الدكتور سلام
وكان ثاني أعمال محمد رحمه رواية منزل الدكتور سلام، وقد صدرت عام 2021 عن دار المصرية السودانية الإماراتية، وكانت أيضاً تنتمي إلي الفانتازيا وحملت نفس الطابع السابق إلا أن الرعب والتشويق كانا هما العنصرين السائدين في هذا العمل مع الحفاظ على مفردات العالم الخاص به والذي لا يخلو من طرح المشكلات، أو إضافة معلومة أو التعبير عن وجهة نظر خاصة بالكاتب في إطار ساحر من الأحداث برع دائما في نسجه بحيث تتسلل المعلومات أو وجهة نظره من خلال هذا العالم بسلاسة بالغة، ولقد تم إنتاج العملين صوتياً كحلقات دراما إذاعية في واحدة من أكبر المنصات الصوتية الحالية وهي (منصة أوديوهات) ولقد حقق كلاً من العملين نجاحاً واسعاً.
رواية الحوش الكبير
وثالث أعماله هي رواية #الحوش_الكبير والتي صدرت عن دار ديوان العرب للنشر والتوزيع عام ،2022 وتنتمي تلك الرواية للفانتازيا مع تلك التركيبة الخاصة به، وكأنها تؤكد ما قاله الكاتب عن نفسه أنه يرفض فكرة المتعة للمتعة ويعتبر أنه إذا ما خلى الفن من رسالة فلا قيمة له مهما بلغ الإبداع فيه.
ويمكن معرفة صفحة الكاتب بالفيس من هذا الرابط.
لكن حاولنا معرفة أفكار الكاتب محمد رحمه فكانت رحلة نتسلل بها لجوانب الفكر والمعرفة من خلال هذه الأسئلة.
كيف ظهرت بوادر الموهبة الأدبية؟
لم أكن أقرأ إلا في العشر سنوات الأخيرة ، ولم أكن أهتم للقراءة، ولكن دفعني لها نقاش حاد بيني وبين أحد الأصدقاء، فأضطررت للقراءة ساعتها، وما أن قرأت أول كتاب حتى صعقت من هذه المتعة، وبدأت الرحلة، ثم لم تعد القراءة وحدها تكفي للشغف، فصارت تزاحمها الكتب المسموعة، وهكذا إلى أن ثارت داخلي الأفكار، وتكونت وأصبح لابد لها من منفذ؛ وبما أنني شاعر منذ الصغر فلم تكن الكتابة بعيدة عني، ولكن سحر الرواية الذي يكمن في خلق كل تفاصيل العمل من العدم، قد أثار شغفي وتملكني فكتبت روايتي الأولى، والتي لم أكن أتوقع لها ما حققته بفضل الله، مما شجعني على تكرار التجربة والتمسك بها، فالكتابة هي وسيلتي الوحيدة للإتزان النفسي وتهدأت الصراعات داخل عقلي .
وما بين الميكاترونس وعلوم التقنيات الإلكترونية والأدب ما وجه الصلة التي جمعتهم في شخصية محمد رحمه؟
مما لا شك فيه أن دراسة الإنسان وتجاربه هما ما يكونان قناعاته ونمط تفكيره، وقد أورثتني دراسة العلوم الهندسية والتكنولوجيا نمط مرتب من الفكر، لكن ما قد صنع الفارق حقاً هو كيفية استخدام هذا النمط في ترتيب الأفكار وتسلسلها وحبكها، ولذلك لا عجب في أن أخبرك أن معظم أعمالي كًتبت بجوار الماكينات وضوضاء المصنع، ولكني كنت قادرا بفضل الله على عزل نفسي كلياً، في أوقات فراغي من العمل وألتزم الكتابة والخيال، وكما قال الأستاذ العظيم خيري شلبي رحمه الله، أن الكاتب إذا ما لم ينغمس في الحياة وتجاربها فستخرج أعمالها خالية من دسم التجربة ومرارتها، وستصبح أعمال تًكتب على المكاتب َلا تمس قلوب القراء من قريب او بعيد .
عندما قلت أنك شاعر منذ الصغر، هل يمكن إلقاء الضوء على هذه الفترة؟
أول قصائدي كانت وأنا في الصف الثالث الأعدادي، وكانت لي عادة غريبة حينها، كنت أصنع الحكاية في خيالي أولاً، وأختار من بين الأشخاص من الذي سأتحدث بلسانه، وهكذا كنت أحوم حول الرواية ولا أدري، ولي عمل غنائي فعلاً، تم إنتاجه للعمل الخاص بروايتي الثانية (منزل الدكتور سلام) في الأخير أقول أنه لم ينضب الشعر فينا ولكن عز سريانه.
الرواية لها قواعد وأساليب يجب أن تتوفر به، كيف استطعت جمع تلك القواعد وبناء أسلوب أدبي؟
أعتقد أن الرواية عموما لها قاعدة واحدة فقط، وهى أن تعرف كيف ترويها. ولا قواعد أخرى أما عن كيف استطعت ؟ فأعتقد أن الفضل بعد الله يعود للكُتاب الذين كنت أقرأ لهم، فلقد تأثرت بهم كثيراً، وعلى رأسهم ( فيودور دويتويفسكي - نجيب محفوظ - غابرييل غارسيا ماركيز - والدكتور مصطفى محمود - وتليستوي - وطبعاً الكبير شيخ الحكائين خيري شلبي) وغيرهم، فلقد باتت عادة لدي أن أدمن أحدهم، فأغرق فيه وفي تفاصيله حتى أتشرب خلطته، ثم أغرم بغيره ويختلط دائماً كل ذلك داخلي وأنتج منه ما أريد إنتاجه لاحقاً ولكن بطعمي الخاص، فأنا أؤمن أن لكل كاتب ناجح خلطة خاصة وطابع منفرد يتكرر في رواياته مهما أختلف موضوعاتها، فأنا كثيرا ما يمكنني التعرف على الكاتب من قراءة كلماته ومفرداته وتلك كانت العلامة لدي على أن عقلي قد أدرك خلطة هذا الكاتب أم لا، إن استطعت تمييز أعماله حتى لو لم أعلم أنها له .
الحوش الكبير، نالت استحسان الكثير ، وجعلت البعض يود اقتنائها من مجرد اقتباسات، ما منهج هذه الرواية، وكيف اختلفت عن غيرها من أعمالك؟
اللهم لك الحمد والشكر... في الحقيقة أتمنى أن تختلف، وهذا ما أحاول فعله دائما، ألا أكرر نفسي لكن كما ذكرت هناك عالم خاص بكل كاتب يعود ويميل إليه من دون وعي حتى، ولكن ما يسعفني أنني لست نفس الشخص الذي كتب عابر مثلاً أو منزل ال كتور سلام، فأنا أحارب ذلك بأن أستمر في رحلة البحث عن ذاتي وتغيير قناعاتي وآرائي بما يضاف إليها دائما من روائع ما أتعلمه يومياً، وبهذا أكون مع كل عمل جديد كاتب جديد.
وللأمانة لقد ولدت ونشأت في القاهرة الفاطمية، وما أداركي ما مصر القديمة، القلعة والسيدة كيف تلك الأحياء فلم أبذل مجهوداً كبيراً للغوص في أعماق هذة الأماكن وفض أسرارها، ونشر عبقها في أرجاء الرواية على لسان أبطالها الذين بلا شك ستجدين بينهم أناساً تعرفيهم ولطالما رأيتهم قبل ذلك، مع خلط كل ذلك بالفكرة الأم التي لا غنى في وجهة نظري عنها، فأن من يقولون بأن الفن للمتعة فقط مخطئين من وجهة نظري؛ إن لم يكن الفن وسيلة للتعبير عن قيمة أو فكرة، فلا فرق بينه وبين أي نوع من أنواع المخدرات الملهية لتضيع الوقت، وهذا ما أحرص على تجنبه وهذا ما أعتاد عليه قرائي ولله الحمد، فلقد باتوا ينتظرون المشكلة الجديدة أو الفكرة التي سنطرحها ونناقشها في كل عمل مع أصرارهم على الحصول على المتعة بجانب ذلك.
عندما كنت اتقصى عن رواية الحوش الكبير، قال أحد المتخصصين أنه كان يتمنى أن تكون كتبت بالفصحى كاملة، لأنها كانت ستكون من المرشحات للجوائز العربية العالمية لما بها من تمكن، كيف تعلق على تلك النقطة، وهل يمكن أن نراها تحول أو غيرها تجهز للمسابقات؟
أولاً أشكر هذا المتخصص على المجاملة الجميلة ، وحابب أذكر أن رواية الحوش الكبير هي أول عمل لي يكون الحوار فيه عامية والعملين السابقين كانا فصحى بالكامل، لكن هذه الرواية أجبرتني على ذلك وأعتقد أن إجابة هذا السؤال ستتضح لكل من سيقرأ الرواية خصوصا حين يظهر له الهدف من الرواية، وسيعرف لمن كانت موجهة ولا يمكنني الإيضاح أكثر من ذلك ؛ حتى لا أضطر إلى حرق التفاصيل وبغض النظر عن الجوائز والتي لا أختم لها أساساً، إلا أن كبار عمالقة الأدب كتبوا عامية بل وتم تعشيقها بأحضان الفصحى واستخلصوا فصحى دارجة خاصة بهم من هذا المزيج، على سبيل المثال، نجيب محفوظ وخيري شلبي ولم ينقص ذلك من أعمالهم، خصوصاً إن لم تكن لغة سفيهة أو سطحية.
التحليل صفة يتسم بها العقل الهندسي، وتواجدك بالمشهد الأدبي لن يكون مجرد كتابة قصة أو رواية، بل سيرتبط بتحليل الوضع الأدبي ونشاط دور النشر والحركات، كيف يمكن تحليل هذا الوضع من وجهة نظرك؟
طيب، قبل ما أدخل على تحليلي المتواضع للمشهد الأدبي الحالي أحب أن أشكر دار ديوان العرب والأستاذ محمد وجيه بالتحديد لما لمسته فيه من صدق ونزاهه بدون مجاملات وحرص على إنجاح العملية، وللأسف هذا غير منتشر حالياً.
عملية النشر والمشهد الأدبي مرتبط بالحياة مثلها مثل أي مجال أخر؛ لا يجد من يحميه من شراسة الإقتصاد وأزماته ولذلك تجد من يسعى خلف مشاهير وسائل التواصل للنشر لهم وتجد من يستغل عملية النشر لاستنزاف الكاتب، وكأن الكاتب لا تكفيه لعنة الكتابة ليصاب بلعنة أخرى وهي أزمة نشر أعماله، ولذلك أعتقد أن المرحلة القادمة ستشهد صحوة نوعية في هذا المجال بالاهتمام بالنشر الإلكتروني والصوتي على حساب الورقي، مما يفوراه من سهولة الوصول ومواكبة للعصر وضيق الوقت، مع ملاحظة أننا نحيا صحوة في عالم الأدب وأعتقد أنها ستكون قادرة على فلترة نفسها بنفسها مع مرور الوقت وأنصح الكُتاب الجادين بالإستمرار، اللعبة لعبة استمرار وتحدي، بقاء ومحاولة مقاربة أفكارهم لفكر القارئ، للوصول إليه، وهذا دورهم وعدم عزل أنفسهم وأفكارهم عن واقع القارئ، لأننا نحمل مسؤلية كبيرة ولازم نكون على قدر المسؤلية، وصدقيني من سيقدم شئ جيد وهادف وبصيغة تناسب العصر من تطور ولياقة، سيأثر في القارئ وسيأتيه يحتفي بيه.
هل يمكن رؤية علوم التقنية والجرافيك تسيطر على المشهد الأدبي في المستقبل، وتلغي تواجد الورقي؟
لن تلغي لكنها لن تكون الخيار الأول ولا الأوسع انتشاراُ، وهذا طبيعي مثل ما تطورنا في حفظ المعلومات سابقاً، من دفاتر، لأقراص صلبه، لفلاش ميموري، للأنترنت ومساحات في الفراغ، أعتقد هذا سيحصل ولكن بصورة مختلفة قليلا وسيكون النشر الورقي كتشريف للأعمال أكتر منه فعل حقيقي للإنتشار...
والدليل على كلامي أنك ستجدي كل الأعمال الكبيرة حالياً مدرجة صوتي وإلكتروني في نفس الوقت نزولها ورقي ويمكن قبله.
اليوم بعد التعمق أكثر في المجال العملي والتطور المهني، والتطلع الأدبي، كيف اختلفت نظرة الحياة عن الماضي؟
الحياة سيظل لها نفس المعايير ونفس المعاني داخل النفوس، لكن لكل عصر مميزاته وعيوبه، والإنسان الذكي من يقدر يوقف سرعة حياته ويظبطها على نمطه هو، بدون ما ينحرف ورا سرعة يتحكم فيها غيره، وأما عن حال التطور؛فهنا بأتي وقت الاقتباس من رواية الحوش الكبير على لسان البطل لما قال:
وقبل ما أنهي العرض حابب أقول للجميع، إن زمن الإعتماد على حواسك في إكتشاف الأشياء انتهى ومبقاش فاضل غير عقلك وإيمانك وعلمك، ومش هينفع نتجاهل أكثر من كدا، ولا هينفع تعيش في عالم على قدك لوحدك ...
(بمزاجك أو غصب عنك بقيت مطالب أنك تعرف وتفهم، ولو مش عشانك يبقى عشان اللي بتحبهم ميبقوش ضحايا يدبحوا بجبروت العلم، اللي بقى مطًوع وخادم لكل فساد يملك المال والسلطة لتطويعه ...)
شكرا للكاتب محمد السيد رحمه على هذا اللقاء المثمر.
حوار/ أميرة إسماعيل
إقرأ أيضا لقاء مع الكاتبة زهراء عبد العزيز
إرسال تعليق